حقائق لا مخاوف :حقيقة وسائل الإعلام الرقمية والجيل الفتي
بقلم : مايك كراولي (المدرسة الدولية في بروكسل)
ترجمة : ابراهيم عبدالله العلو
” قد يسبب الآباء الخائفون والسلبيون والذين يفرضون قيوداً صارمة مصاعب لأبنائهم . وتشير بعض الدراسات أن سلوك هؤلاء الابناء قد يصبح الأشد خطراً على الإنترنت ” – يالدا أولس
تقدم يالدا أولس منظوراً منعشاً ومطمئناً وسط عالم أججت فيه وسائل الإعلام نيران مخاوف الآباء والأمهات من التقانة وتأثيرها المدمر على أبنائهم .
فكتابها المعنون : أمهات “الميديا ” وآباء رقميون : مقاربة – الحقيقة لا الخوف – للأبوة والأمومة في العصر الرقمي . جدير بالملاحظة حيث يتناول القضايا الأكثر أهمية للعديد من الآباء والمربين عبر نتائج الدراسات والأبحاث . وتوفر المؤلفة إطاراً ممتعاً لعملها : فهي أم ومربية ومتخصصة بوسائل الإعلام وباحثة في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلس .
يقدم جهد أولس إضاءات قيمة قد تساعدنا جميعاً على الإبحار في الطبيعة الرقمية الخطرة .
وكمدير مدرسة استمع بشكل دوري إلى” المخاوف الفعلية من التقانة ” والتي تتمثل غالباً بالقول :
الإنترنت مكان خطر على الناشئة فهو يتلف التركيز والمقدرة على القراءة والكتابة و جودة المطالعة وتسجيل الملاحظات وذاكرتنا وعلاقاتنا .
وهذا القلق ينبع من اهتمام بالغ الاخلاص ولكنه يجب أن يطرح بشكل علني ويعالج بتفكر وروية .
ولسوء الحظ تعاظمت هذه المخاوف بفعل تقارير وسائل الإعلام المثيرة للذعر .
وغالباً ما يكون ذلك هو المسبب لهلع الاهل . وكمثال تقليدي نشير إلى تقرير سريدهار بوتارازو الذي نشرته قناة السي ان ان بعنوان : هل تدير وسائل الاعلام ابنائنا ؟
يوثق المؤلف مجموعة إحصاءات مقلقة , بعزلة تامة عن أي أبحاث مرتبطة بوسائل الإعلام الرقمية , مستخدمة العنوان المثير للوصول إلى صلة غير موجودة بين المسبب والنتيجة .
” تقييم الصحة الوطنية على مستوى الجامعات عام 2014 “
كشف استطلاع أجري على 80000 طالب جامعي أن 54% منهم عانى من قلق طاغ خلال السنة الاخيرة وأن 32.6% منهم ” شعروا بالاكتئاب الذي أثر سلباً على أدائهم ” خلال الفترة ذاتها . واستنتجت الدراسة ان 6.4% منهم ” تعمدوا جرح أو حرق أو إيذاء ” أنفسهم وأن 8.1% فكروا بالانتحار وأن 1.3% حاولوا الانتحار .”
لا يوجد ترابط واضح بين الاستنتاجات الانتقائية المقلقة لهذه الدراسة وبين استخدام التقانة ولا يضيف هذا النوع من التقارير المتهورة والتلاعب بالبيانات قيمة كبيرة للحوار الضروري حول استخدام التقانة بين الجيل اليافع .
ومع ذلك يقدم التقرير اكتشافات تستحق الترحيب — وتبعاً لمنطق تقرير الس ان ان – يجب أن تعزى إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتشمل :
- نسبة 0.4% فقط من طلاب الجامعات لا يرتدون حزام الامان في السيارة
- نسبة 0.3% فقط تأثرت دراستهم بفعل مرض منقول جنسياً
- أكثر من 71% لا يدخنون
- يستخدم 85% منهم سائق مكلف عند شرب الكحول
- يمارس 78% منهم نوعاً متوسطاً من النشاط الرياضي بصورة دورية .
بالطبع يمكن التلاعب بالبيانات لنشر أي قصة نريدها . ولكن السؤال الأوثق صلة بالموضوع هو لماذا يشدد هذا السرد المتعلق بوسائل الإعلام الرقمية والناشئة كثيراً على الذعر والخوف ؟
عندما بدأت بالتدريس في بداية التسعينات كنت أواجه بين حين وآخر ظاهرة تبادل الوريقات بين الطلبة . وفي اكثر من حادثة حوت الوريقة شيئاً تقليدياً له علاقة بالمراهقة قد يكون مؤذياً لفرد آخر في الصف .
ولم ألوم الورق أبداً بسبب تلك الظاهرة ولم أعبس لتواجد الاقلام في المدرسة .
وخلاصة القول ان ما يحدث على الإنترنت هو ذاته ما يحدث خارج الإنترنت وبالتالي يجب أن نركز على السلوكيات وليس الوسط وأن نصب جل اهتماماتنا على الأفراد بدلاً من الجهاز الرقمي .
وللكاتبة دانا بويد إضاءة جلية حول تسليط الضوء على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واتهامها بالجريمة وكيف ادى ذلك إلى التعتيم على الحقائق الاساسية :
” انها شديدة الوضوح . بالطبع ثمة أشياء سيئة ولكن ما يثير حنقي تحول انتباهنا بفعل الذعر عما يحدث في الواقع . وإحدى إحباطاتي الزعم بوجود قضايا ضخمة تتعلق بالصحة العقلية . نريد أن نصب اللوم على التقانة التي أظهرتها للعلن بدلاً من التعاون الفعلي مع قضايا الصحة العقلية . “
تؤسس أولس رؤاها على أبحاث حقيقية واستنتاجات فعلية وتقول ربما يصبح بعض المراهقين مدمن كلياً على الأجهزة الرقمية ولكنها تبقى نسبة ضئيلة من المجموع . وبينما تشجع على وقت حر من استخدام الأجهزة فإنها تدعونا لعدم الذعر بسبب عادات المراهقين التقنية . فأولس براجماتية وامينة فيما يتعلق بحقائق الطبيعة الرقمية أيضاً .
لقد أظهرت الأبحاث أن تعدد المهام أمر لا يبرع به البشر في الحالة الطبيعية .
وكشفت الدراسة أن المعالجة التي تحدث عندما يكتب الأفراد الأشياء –فعلياً- هي المسؤولة عن أي فرق في القدرة على الاحتفاظ بها وليس الجهاز بحد ذاته .
وتضيف ان الأهل يجب أن يقوموا بدورهم من وضع توجيهات واضحة وتوقعات وأطر وان الابحاث المتوفرة تقدم نظرة متناقضة بشكل صارخ مع الصورة النمطية القاتمة التي تقلق الأهل .
إذاً ماذا تقول الأبحاث بالفعل ؟
- . ” لا يكبر أبنائنا ليصبحوا كينونات ميتة الدماغ أو أفراداً معتلين اجتماعياً وواهنين عاطفياً . وتبين لنا بعد أكثر من عقد من الأبحاث التي أجراها علماء نفس الطفل ان أطفالنا بخير وعافية . “
- . ” ولا يوجد أي دليل قاطع يثبت أن هذا الجيل أكثر تشتتاً مما كنا عليه . “
- . ” تشير البيانات أننا نقرأ أكثر من ذي قبل في العصر الرقمي وأن المراهقين يقرأون كتباً أكثر من البالغين . “
- .” لا يحدث أي فرق في الذاكرة والاستيعاب والتفكير المنطقي سواء قرأنا المادة من الشاشة او الورق .”
- . “طلب البحاثة من الطلبة مشاهدة حواريات تيد وتدوين ملاحظات على الورق أو الحاسب المحمول . وعند اختبارهم بعد الدرس عن الحقائق الأساسية الموجودة في الفيديو كان أداء الفريقين متماثلاً .”
- .” لا تؤثر الرسائل النصية على مهارة الكتابة وربما تشجع على القراءة والكتابة الإبداعية .”
- .” لا يبدو أن الذاكرة في انحسار . وبدلاً عن ذلك أصبحنا نحول ما نتذكره لنستفيد من مقدرات الحواسب .”
- .”أثبتت البيانات أن الأطفال يتأقلمون وربما يزدهرون وهم يتلقون وسائل الإعلام في القرن الواحد والعشرين .”
بالطبع يجب أن تلين هذه الأخبار الطيبة الفطرة السليمة وأن يحافظ الجيل الصاعد على توازن صحي بين التفاعل عبر الانترنت ونشاطات المواجهة وجهاً لوجه ( وحتى هنا يثبت البحث أن السابق يقاد من قبل الحاجة الصحية للاحق .)
يتوجب على الأهل تطوير ومتابعة حواراً مفتوحاً مع أبنائهم عن الثقة والشفافية .يجب أن لا يحكم الخوف مواهبنا او يقيد الحاجة لتمكين ابنائنا من الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام الرقمية . فالقوة الحقيقة لوسائل الإعلام الرقمية تنبع من مقدرتها على الاتصال والتواصل وبالتالي تضخيم أو تمديد نطاق تأثير تجربة محددة .
هناك للأسف أمثلة موثقة عن مفاقمة التقانة بشكل جلي لقضايا اجتماعية محددة . ومن بينها زيادة معدلات السمنة لدى الأطفال . وهناك قصص عن إعطاء الأطفال الصغار أجهزة الآي باد كأدوات تلهية لهم . أما المعرفة بالقراءة والكتابة فهي في انحدار بين الفئات المحرومة اجتماعياً .
فالقضايا التي ينصب فيها اللوم على التقانة هي غالباً عميقة الجذور في الأبوة محط التساؤل وأمور احترام الذات والمؤسسات التربوية ذات مفاهيم التعليم الضيقة الأفق و التي تعزى لنقص التمويل او وجود قيود خارجية جامدة . وتوضح الأبحاث أن وسائل الإعلام الرقمية قد تؤثر بشكل إيجابي في إطار وثقافة محددة وترفع سوية التعليم.
لا يوجد حاجة للخوف . يجب أن نمكن ونعزز ولا نتحكم .فالجيل الفتي يتأقلم بشكل إيجابي مع العصر الرقمي ويجب الوثوق بمقدرتهم على فعل ذلك.
مصدر المقالة
The Synapse
Facts Not Fear: The Truth About Digital Media and Young People
By: Mike Crowley (International School Brussels )
اترك تعليقاً