تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد هي تقنية ثورية تفتح الباب لثورة صناعية جديدة فبعد أن كانت صناعة الأشياء و الأدوات و الآلات البسيطة تتطلب مهارة خاصة لا توجد إلا لدى القليل من الناس ثم أصبحت هناك آلات و ماكينات تقوم بمهام معينه لصناعة أشياء بعينها بكفاءة و سرعة أكبر.
لنفترض أننا نرغب في صناعة مجموعة تروس متنوعة الأشكال و الأحجام لنضعها في آلة نستخدمها كانت هناك عقبتان رئيسيتان الأولى هي محدودية الأشخاص الذين قد يمتلكوا المهارة اللازمة اذا ما رغبنا في صناعتها يدوياً , ثم محدودية الدور الذي تقوم به الآلات حيث تخصص كل آلة لصناعة ترس بعينه و قد لا تتمكن من صناعة ترس آخر مختلف في الشكل أو الحجم مما يتطلب المزيد من الآلات و المزيد من الإنفاق و هنا يأتي دور الطابعة ثلاثية الأبعاد.
ما تقوم به الطابعة ثلاثية الأبعاد هوا أنها تقوم بمحاكاة أي نموذج ثلاثي الأبعاد أو مجسم لتكون صوره طبق الأصل منه
حيث تقوم بطباعة المجسمات من خلال نفث طبقات رقيقة فوق بعضها بدقة تتراوح بين 400 ميكرون في الطابعات البلاستيكية و 25 ميكرون لطابعات الليزر أو الطابعات الضوئية بعد أن تنتهي الطابعة من الطباعة نحصل على مجسم مماثل للمجسم الذي تم وضعه على جهاز الكمبيوتر
و يستطيع المستخدم تنزيل نماذج الطباعة ثلاثية الأبعاد من خلال بعض مواقع الويب، وإذا رغب في وضع تصاميم خاصة به وكان يمتلك الموهبة اللازمة لذلك فيمكنه الاعتماد على برنامج للرسم الرقمي لتصميم الأشياء والمجسمات الخاصة به، أو القيام بنسخ الأشياء الموجودة بواسطة ناسخ ضوئي ثلاثي الأبعاد.
ويمكن باستخدام هذه الطابعات إنتاج ثلاثة أنواع من المجسمات :
1- الأجزاء البسيطة ذات الكميات المحدودة مثل قطع الحلي والمجوهرات أو النماذج المعمارية أو الأجزاء الإضافية للألعاب.
2- يمكن استخدامها لإنتاج أجزاء معقدة رخيصة نسبيا خاصة في مجال التقنيات الطبية مثل إنتاج المفاصل والأطراف الصناعية وأطقم الأسنان
3- إنتاج النماذج الاختبارية للأدوات المختلفة والأجهزة المنزلية والهواتف الجوالة بسرعة كبيرة.
بالطبع النوع الأول هو ما يهم المستخدم العادي كونه يتوافق مع احتياجاته المباشرة و اليومية . و هو ما تتخصص فيه الطابعات المنزلية .
هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الطابعات ثلاثية الأبعاد
1. طابعات الثيرموبلاستيك أو الطباعة عبر الإنصهار :
حيث تستخدم في هذه التقنية مواد بلاستيكية مصنعة من لب الذرة ومعالجة كيميائياً ، تأتي على شكل خيوط رفيعة سماكتها إما 1.75 ملم أو 3 ملم وذلك حسب سمك رأس الإنصهار ، فعند درجة حرارة معينة تذوب المادة البلاستيك وتقوم الآلة برسم الطبقة الأولى على محورين أفقيين ثم الطبقة التي فوقها على المحور العمودي وهكذا حتى يكتمل تصنيع النموذج أو المجسم المراد عمله من الأسفل إلى الأعلى (فكرة الطابعة شبيهة جداً بمسدس الغراء أو مسدس الصمغ) على غرار أن الطابعة تتحرك آلياً على المحاور الثلاثة من خلال وحدة تحكم مركزية موصولة بجهاز الكمبيوتر
المواد الخام المستخدمة في هذه الطابعة هي مصنوعة من مواد طبيعية وبلاستيكية تعمل بالإنصهار تحت درجة حرارة عالية
2. الطابعات الضوئية :
فكرة هذه الطابعات قائمة على طباعة الأجسام والنماذج بإستخدام مادة الريزين أو البوليمر الحساس للضوء ، وتختلف هذه التكنولوجيا عن سابقتها حيث تعتمد في عملها على البروجكتور من خلال إسقاط صورة ضوئية بلون واحد مسلطة على سطح الطباعة مغموراً بمادة الريزن أو البولايمر وعادة لا يتحرك سطح الطباعة إلا على المحور العمودي فقط ، عند سقوط الضوء على البوليمر يتبلور السائل فور تعرضه للضوء مباشرة لمدة زمنية معينة لتكوين طبقة واحدة كاملة .. ثم تأتي الطبقة الثانية فوقها ثم الثالثة وهكذا حتى يتم بناء الجسم بشكله النهائي
المادة الخام التي تستخدم في هذه التقنية هي مادة الريزين أو البوليمر الحساس للضوء المنخفض الكثافة ، ويأتي بعبوات من سعة الليتر والنصف الليتر ، ويكون على شكل سائل كثيف ولزج وشبه شفاف
3. طابعات الليزر ثلاثية الأبعاد :
فكرة هذه الطابعات هي مشابهة تماماً للطباعة الضوئية بواسطة البروجكتور غبر أن المصدر الضوئي المسلط هو الليزر ، حيث يسقط الليزر على مرآتين صغيرتين يتحركان على المحورين الأفقيين ليعكسا إتجاه خط الليزر ، ويسقط خط الليزر المعكوس على سطح مليء بمادة الريزن أو البوليمر حيث يتبلور السائل فور تعرضه للضوء ليقوم ببناء الطبقة الأولى ثم الثانية فوقها وهكذا حتى يتم بناء الجسم بشكل كامل
المادة الأساسية أو المادة الخام التي تستخدم في هذه الطابعة هي الريزن أو البولايمر المنخفض الكثافة الحساس للضوء ، ويتوفر بعبوات من سعة الليتر والنصف ليتر ، ويأتي على شكل سائل كثيف
لماذا تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ؟
لأنها تكسر احتكار الشركات الكبرى فمع كون التقنية صارت مفتوحة المصدر و بعكس التقنيات المحتكرة من قبل الشركات فهناك المئات وربما آلاف الأشخاص حول العالم يعملون الآن على تطويرها بدءاً بالبرامج و الأجزاء الميكانيكية و حتى الخامات المستخدمة للوصول إلى أعلى جودة ممكنة بأقل تكلفة .
لا نستطيع أن ندعى أن الطابعات ثلاثية الأبعاد قد وصلت إلى الجودة المتوقعة و المرجوة منها إلا أنها فى طريقها للتمدد كما أن تكلفة التقنية ذاتها تنخفض من يوم لآخر بل إنه تم صناعة نماذج منزلية تصل أسعارها إلي أقل من 500 دولار فقط للطابعات المنزلية ! اعتقد أننا على مشارف مستقبل قد لا نحتاج فيه لصائغين أو صانعين يدويين مهرة فسوف نكون قادرين على صناعة الحلي و الهدايا بأيدينا أو بأيدي طابعتنا إن جاز التعبير!
صورة للطابعة XYZ دافنشي أفضل الطابعات ثلاثية الأبعاد من حيث السعر و يمكنها بناء مجسمات بأبعاد تصل لـ 20 سم طولاً و عرضاً و إرتفاعاً و حصلت هذه الطابعة على العديد من التقييمات الإيجابية من المستخدمين على متجر أمازون .
تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في المجال الطبي
من أهم الإستخدامات للطباعة ثلاثية الأبعاد هي استخدامها في صناعة الأجزاء التعويضية المعروفة بأسعارها المرتفعة نظراً لإحتكارات الشركات في هذا النطاق لتقدم أجزاء تعويضية بأسعار رخيصة نسبياً و بحيث تكون أكثر مطابقة لإحتياجات المريض من حيث الشكل و المضمون .
ففي مجال الأجهزة التعويضية تمكن فريق من العلماء في جامعة برينسيتون للأبحاث بولاية نيوجيرسي الأميركية و بمساعدة من أحد الطلاب في المدرسة الثانوية- من اختراع أذن آلية، لا تشكل بديلا للأذن البشرية فقط من حيث المظهر ، ولكنها تضم مستشعرات مبنية في نسيجها، تساهم ايضاً في تحسين قدرات السمع. والأذن المذكورة هنا تحديدا تم صنعها من خليط من مادة “الهيدروغل” وخلايا جذعية من العجل، دمجت بجزيئات فضية متناهية الصغر، تتولى عمل الهوائي.
كما تمكن أحد المخترعين من إختراع ذراع تعويضية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تكلفتها لا تتجاوز 100$ و على الرغم من أنها ليست بذات كفاءة التقنيات الأكثر تقدماً و المحتكرة من شركات كبيرة إلا أن هذا الثمن الزهيد قد يصبح أملاً في علاج الكثيرين في الدول الفقيرة .
تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء !
و لم تتوقف أهمية هذه التقنية عند حدود الإستخدامات المنزلية فأهمية هذه التقنية جعلت ناسا ترسل أحد صواريخها إلى محطة الفضاء الدولية محملاً بطابعة ثلاثية الأبعاد بحجم ميكروويف صغير لصناعة و إستبدال الأجزاء التالفة من المحطة .
وكالة ناسا استخدامت الطابعات ثلاثية الأبعاد على الأرض كوسيلة رخيصة سريعة لتصنيع أجزاء من المركبات الفضائية، بما في ذلك مكونات محركات الصواريخ التي يجري اختبارها للجيل المقبل من مركبات الفضاء.
الطابعات ثلاثية الأبعاد و صناعة الأسلحة
لا يتم الحديث عن المخاوف بشأن صناعة الأسلحة إلا إن كان ذلك خارج عن نطاق السلطة أما صناعة الأسلحة من قبل السلطات حول العالم فلا يثير أي غضاضه في نفوس القائمين عليها . من المؤكد أن تكون تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد قد استخدمت عسكرياً لكن ما أثار المخاوف هو تمكن مجموعة غير ربحية تطلق على نفسها اسم “ديفينس ديستربيوتد” من تصنيع أول مسدس يد باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وأطلقت عليه اسم “ذي ليبريتور” أو “المحرر”، الأمر الذي أثار مخاوف أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي (الكونغرس).
مؤسس هذه المجموعة، هو طالب في قسم القانون في جامعة تكساس يبلغ من العمر 25 عاما يدعى كودي ويلسون، قد أعلن قبل نحو ثمانية أشهر أنه سيخترع أول مسدس يد مصنوع بالكامل باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وقد نجح مؤخرا في ذلك.
وجميع أجزاء المسدس الستة عشر مصنوعة من مادة البلاستيك الحراري الذي يتميز بصلابته، باستثناء مسمار معدني وحيد استخدم كـ”طارق” للمسدس، وتمت طباعته باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد. ويستخدم المسدس الرصاص العادي وطواحين رصاص متغيرة تبعا لنوع الذخيرة.
وتقنيا فإن هذا المسدس يضم مكونا إضافيا لم تتم طباعته، فقد أضافت المجموعة قطعة معدنية بوزن ستة أونصات إلى جسم المسدس لجعله قابلا للكشف عنه في أجهزة الكشف عن المعادن تماشيا مع “قانون الأسلحة النارية التي لا يمكن الكشف عنها”. وكانت المجموعة حصلت في مارس/آذار الماضي على رخصة اتحادية للأسلحة النارية ليسمح لها بأن تكون مُصَنِّعا قانونيا للمسدسات مثل شركات الأسلحة.
وتثير طباعة مثل هذا المسدس مخاوف لدى كثيرين، إذ إن وصول ملف التصميم الثلاثي الأبعاد للمسدس (كاد) إلى الإنترنت سيتيح لكثيرين تحميله، وبالتالي سيتمكن من يملك طابعة ثلاثية الأبعاد من إنتاج مسدس بلاستيكي بشكل قانوني أو غير قانوني، لا يوجد عليه رقم متسلسل، ولا يخضع لأي عقبات تنظيمية أخرى.
طباعة سيارة بطابعة ثلاثية الأبعاد في 44 ساعة !
السيارة الأمريكية ستراتي Strati تكلفت 18.000 دولار و هي سيارة صديقة للبيئة تستخدم البطارية , و السيارة مجمعة من 40 قطعة فقط في حين أن السيارات العادية تتكون من 20000 قطعة و هي سيارة صديقة للبيئة تستخدم البطارية في الحركة و تبلغ المسافة التي تقطعها 120-150 ميل , و ستراتي ليست سيارة سريعة فسرعتها القصوى تبلغ 40 ميلا في الساعة .
بعض أجزاء السيارة لم يتم إنتاجها باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مثل الإطارات و الموتور و المقاعد كما أن جسم السيارة البلاستيكي تم تدعيمه بألياف الكربون ليكون أكثر متانة .
تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال التعليم
كما أن الطباعة ثلاثية الأبعاد هي ثورة في مجال الصناعة فهي تعد ثورة أيضاً في مجال التعليم و توفير أدوات أفضل للطلاب . خرائط مجسمة , أعضاء جسم مجسمة , نماذج مجسمة للمركبات الكيميائية, نماذج أولية لمشاريع الطلاب كل هذا و أكثر منه يمكن أن تقدمه تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال التعليم .
مشروع رب راب RepRap Project :
مشروع رِب راب ( RepRap Project) هو مبادرة لتطوير آلة للطباعة ثلاثية الأبعاد يمكنها طباعة معظم أجزائها المكوّنة لها لتصنيع آلة جديدة أو لاستبدال جزء ما بها، وبذلك تكون آلة قادرة على تصنيع نفسها بنفسها، ويمكن تصنيفها ضمن الروبوتات مفتوحة المصدر. وبما أنها مفتوحة التصميم بمعنى أن تصميماتها متاحة بالكامل دون قيود أو احتكار للجميع دون أي مقابل، فإن جميع التصميمات التي أنتجها المشروع صدرت تحت رخصة البرمجيات الحرة الشهيرة جنو. كل هذا يساعد على تخفيض أسعار تلك الآلة الرائعة لتصبح متاحة للجميع بعيداً عن إحتكار الشركات الكبيرة .
مخاوف من القرصنة
ويمكن للمستخدم الذي يملك طابعة ثلاثية الأبعاد استنساخ السلع الصناعية والتصاميم بطريقة سهلة، حيث يكفيه أن يحمّل ملف تصميم لنموذج ثلاثي الأبعاد من الإنترنت -كنموذج دمية مثلا- ويدخله في برنامج الطابعة ليحصل على نفس المنتوج.
لكن ورغم توفر مثل تلك الحماية في العديد من الدول، تتوقع شركة غارتنر المتخصصة لأبحاث السوق أن تتجاوز الأضرار الناجمة عن الاستعمال غير القانوني للطابعة الثلاثية الأبعاد مائة مليار دولار.
كما يخشى المتشائمون أن يكون لهذه التقنية الجديدة أضرار على بعض القطاعات الصناعية تشبه الأضرار التي سببها نسخ الأقراص الموسيقية وتبادل الأفلام على الإنترنت على قطاع الموسيقى وصناعة السينما.
ولا تعد الطابعة الثلاثية الأبعاد مشكلة فيما يخص حقوق الملكية، لكن قبل أن تبدأ هذه الطابعة تصنيع أي شيء سيلزمها ملف “كاد” (تصميم بالحاسوب) للقطعة التي سيتم تصنيعها، مع برنامج يحدد للطابعة كيف ترش طبقات متتالية لتوليد مجسم للرسم الموجود في الملف، وهنا تكمن مخاوف القرصنة حيث بدأت تنتشر على الإنترنت بعض المواقع التي تزخر بملفات “كاد” لمنتجات موجودة أصلا في السوق.
مستقبل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
لا تتوقف الصناعة عند ما تم إنجازه في المجالات المذكورة فقط بل هناك أيضاً العديد من الطابعات التي يجري تطويرها في مجال العمارة و يتوقع في المستقبل استخدامات أوسع للطباعة بإستخدام المعادن أو الزجاج في مجالات الصناعات العسكرية و المدنية و المعمارية بأنواعها بل و حتى في طباعة الوجبات الغذائية بحسب طلب الزبون دون تدخل بشري ! هي ثورة صناعية بلا شك و لازال مستقبل هذه الصناعة يحمل الكثير من المفاجآت .
اترك تعليقاً