نائمون نحو المريخ
بقلم: ارييل ايميت
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
في يوم ما سيركب رواد الفضاء مقصورات معدنية صاروخية يحدوهم الأمل بالوصول إلى الكواكب الأخرى وستصان أجسادهم من الإشعاع ومرض “الفضاء” عبر تخفيض عملية الاستقلاب (الأيض أو التمثيل الغذائي ) لديهم إلى جزء من المعدل الطبيعي. سيدخلون في سبات مثل الدببة وهم يندفعون بسرعة عبر الفضاء لأشهر في كل مرة وربما ينامون في سنفات بيضاء تشبه النعوش كرواد الفضاء المحفوظين بالتبريد في أفلام الخيال المستقبلية مثل ملحمة الفضاء 2001: A Space Odyssey و فيلم المخلوقات Alien و فيلم افاتار Avatar .
سيتعلم رواد الفضاء ومستعمريه على الأغلب بعض الحيل من الحلزون الجاف الذي يحيا سنة أو أكثر أحياناً دون ان يتناول أي طعام أو الباندا العملاقة التي تقتات على الخيزران منخفض السعرات الحرارية والعلق الذي يمكنه أن ينجو من حمام من النتروجين السائل والأطفال الذين غرقوا في بحيرات متجمدة ومع ذلك بقوا أحياء والمتزلجين الذين يدفنون في انهيار ثلجي ويعودون إلى الحياة رويداً رويداً من حالة فائقة البرودة بلا أحلام.
يسمي العلماء هذه الظاهرة البيات الشتوي الحادث بفعل السبات torpor-induced hibernation والذي أعتبر غريباً في السابق وسمي أحياناً ” الحياة المعلقة” ولكنه عاد للاهتمام الجدي من أجل السفر الفضائي الطويل الأجل.
يعزى هذا الاهتمام بشكل جزئي إلى التطورات في الجراحة منخفضة الحرارة وإلى فهم أفضل لحوادث كتلك التي وثقت عام 1995 في مجلة طب الكوارث Prehospital and Disaster Medicine.
سقط طفل في الرابعة من العمر عبر الجليد في بحيرة متجمدة في هانوفر بألمانيا. سحبه فريق الانقاذ ولكنهم لم يتمكنوا من اجراء التنفس الاصطناعي له في الموقع . كانت الحدقتان جامدتان ومتسعتان وكان في حالة سكتة قلبية لمدة 88 دقيقة وبلغت درجة حرارة جسمه لدى وصوله إلى المشفى 19.7 درجة مئوية وهي مؤشر لانخفاض حاد في درجة الحرارة hypothermia.
بعد عشرين دقيقة ومع محاولة الأطباء تدفئة التجويف الصدري للطفل بدأ بطينا القلب بالانقباض وبعدها بعشر دقائق عادت ضربات قلبه إلى وضعها الطبيعي وتعافى الطفل تماماً وخرج من المشفى بعد اسبوعين.
اعتقد الأطباء ان البحيرة المتجمدة بردت جسم الطفل بسرعة إلى حالة السبات الاستقلابي الحافظ مما أدى حماية كافة النسج والاعضاء الحيوية وفي الوقت ذاته خفضت الحاجة لأوكسجين الدم وبالتالي انقاذ حياة الطفل.
يكتب الدكتور صامويل تيشرمان استاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة مريلاند في بريد الكتروني: “نعتقد ان ما يسمح بنجاة مرضانا في مثل تلك الحالات هو الانخفاض الحاد في درجة الحرارة. والمفتاح لذلك تبريد الدماغ قبل توقف تدفق الدم أو مباشرة بعده. وكلما كان أبرد كلما تحمل الدماغ فقدان تدفق الدم.”
أصبح تخفيض درجة الحرارة العلاجي جزءاً من الممارسة الجراحية. بدأت العمليات التجريبية للتبريد مبكراً منذ ستينات القرن الماضي حيث استخدمت غالباً في الحالات القلبية ولدى الأطفال حديثي الولادة.
كان الأطفال الصغار يوضعون في بطائن تبريد وربما يغطون بالجليد أو أكوام ثلج لتخفيض دوران الدم واحتياج الأوكسجين قبل عمليات القلب.
يستخدم الأطباء اليوم تخفيض حرارة الجسم المعتدلة (إلى 31.6) درجة مئوية كرعاية تقليدية للأطفال المولودين حديثاً والذين يعانون من مشاكل طبية مثل الأطفال الخدج أو المعانين من نقص أكسجة جنيني hypoxia.
يعالج الأطفال مع قبعات تبريد لمدة 72 ساعة والذي يخفض من الاستقلاب لديهم إلى الحد الكافي لتخفيض احتياج النسج من الأوكسجين والسماح للدماغ والأعضاء الحيوية الأخرى بالتعافي.
وعلى نفس المنوال يطبق الجراحون التبريد والكبح الاستقلابي للمرضى الذين عانوا من صدمات طبيعية عديدة: ذبحة صدرية أو جلطة أو جراح اصابات البنادق والنزف الغزير واصابات الرأس المؤدية إلى انتفاخ الدماغ.
يدخل اخصائيو التخدير قنية (انبوب نحيلcannula) في الانف والذي ينقل غاز النتروجين المبرد مباشرة إلى قاعدة الدماغ. وفي أحد العلاجات التجريبية أدخل الجراحون قنية تحويلة قلبية رئوية عبر الصدر إلى الوتين (الشريان الاورطي) أو عبر الفخذ (الأربية) إلى الشريان الفخذي.
يدخلون عبر هذه الانابيب محلول ملحي بارد لتخفيض حرارة الجسم وتعويض الدم النازف. وعندما يضبط الجراح النزف تقوم آلة القلب-الرئة بإعادة تدفق الدم واجراء عملية نقل دم للمريض.
يشرح تيشرمان ” إذا تمكنت من الوصول للتبريد بالسرعة اللازمة قبل توقف القلب تستطيع الاعضاء الحيوية وخاصة الدماغ تحمل البرد دون جريان للدم لفترة معينة” ويقوم تيشرمان بتجربة سريرية على تقنية تبديل المحلول الملحي البارد في ضحايا الصدمة في جراح الاصابات الحرجة في بلتيمور ويتوقع استمرار الدراسة لغاية خريف 2018 على الاقل وربما لأكثر من ذلك. يوقف نزول الحرارة التالي أو يخفض تدفق الدم لمدة ساعة مما يخفف من احتياجات الاوكسجين ويمنح الجراحين الوقت الكافي لرتق الجروح الحادة ومن ثم تدفئة الجسم وعودته للحياة.
لغز السبات The Torpor Enigma
يتطلع البعض اليوم في المجمع الفضائي الجوي إلى تخفيض درجة حرارة الجسم المحدثة والوقف الاستقلابي الناتج كطريقة لتوفير مكان ووزن مع الحمولة والوقود والغذاء والتوتر على متن الرحلات التي قد تمتد لأشهر نحو المريخ أو الكواكب الأبعد ولا تزال هذه الدراسات في بداياتها.
ومن بين التحديات تحد طبي: ما هي أفضل طريقة لإدخال رواد الفضاء الأصحاء في حال السبات؟ ان تخفيض درجة حرارة الجسم العلاجي مفهوم بدرجة جيدة في غرف العمليات ولكن وضع الأفراد في الفضاء العميق مبردين ومخدرين لمدة أسابيع أو أشهر أو سنين يبقى منطقة بحث مجهولة المعالم. يقترح بعض العلماء الدارسين للسبات لدى الحيوانات استخدام طرقاً أخرى لكبح الاستقلاب مثل نظام غذائي خاص او اشعاع منخفض التردد أو استخدام بروتينات تقدح السبات لدى حيوانات مثل الدببة والسناجب الأرضية القطبية التي تنظم معدلات الاستقلاب لديها بشكل آمن وفي معظم الاحيان بشكل قابل للعكس.
يقول بيت وردين المدير السابق لمركز ابحاث ايمز التابع لناسا في كاليفورنيا والمدير التنفيذي الحالي لشركة Breakthrough Starshot ان “حصول قطاع السبات على التمويل أمر محتم” إذا أخذنا بعين الاعتبار تركيز ناسا الحالي على البيولوجيا التصنيعية ومقدرة المخلوقات على العيش والاداء في بيئات غريبة مثل المريخ.
ولكن هذا التفاؤل ليس عالمياً. يقول يوري جريكو وهو عالم بيولوجيا اشعاع في ناسا تدرب في موسكو وعالم رائد في قسم علوم بيولوجيا الفضاء في ايمز” الناس محبطون. كان جيلنا متحمساً للغاية عندما وضعت مركبة سبوتنيك في الفضاء عام 1957 وملهماً وظننا انا سنصل المريخ عام 2000…..ولكنا لم نصله إلى اليوم . انه لأمر شخصي بالنسبة لأفراد مثلي. توقعنا تطوراً أفضل عما نحن عليه اليوم.”
يعترف جريكو ان ابحاث الكبح الاستقلابي مهملة بحد ذاتها. انضم إلى ناسا عام 2005 بعد قضاء خمس سنوات في شركة التقانة الحيوية كليرانت Clearant التي تستخدم الاشعاع المؤين لتحييد المسببات المرضية في منتجات الدم العلاجية والأعضاء المنقولة والعقاقير الحيوية التجارية. دعت ناسا جريكو لإجراء ابحاث لحماية الرواد من اشعاع الفضاء. تبين ان الكبح الاستقلابي هو أحد أكثر الاليات فعالية وتوفره الطبيعة.
عندما تدخل الحيوانات في البيات تنجو أجسامها من الاشعاع دون حدوث ضرر ملحوظ على خلاياها. يعتقد جريكو ان الكبح الاستقلابي يلطف الضرر الذي يحدثه الاشعاع عن طريق تخفيض العمليات البيوكيميائية وشدة الأكسدة الفائضة.
قد يكون نقص الأكسجة – استهلاك اوكسجين أقل – أحد تفسيرات الاثر الحافظ من الاشعاع. عند نقص الأكسجة ينخفض انتاج الجذور الحرة للأوكسجين وتنخفض جذور الهيدروكسيل. ولان الاشعاع المؤين يطلق الجذور الحرة التي تسبب ضرراً للخلية فإن كبح الاستقلاب وتخفيض استهلاك الاوكسجين يفعلان العكس: إذ يخفض من موت الخلايا الطبيعي ويطيل عمر الخلايا السليمة. ويظهر هذا الاثر الحافظ عند درجات الحرارة الأدنى بشكل ملحوظ.
يعتقد جريكو ان السبات قد يحمي الحيوانات من ضمور العضلات وهشاشة العظام التي تحدث عادة في الجاذبية الصغرية. يفقد الأفراد الذين يتناولون طعاماً متوازناً اثناء رقادهم المستمر في السرير لمدة 90 يوماً أكثر من نصف قوة عضلاتهم ولكن الدببة التي لا تتناول شيئاً والتي تحتجز في أوكارها للفترة ذاتها لا تخسر سوى ربع قوة عضلاتها ولا تبدي أية أعراض لهشاشة العظام. كما يشير إلى ان الحيوانات القادرة على السبات – السلاحف والفئران لم ترسل إلى الفضاء منذ عقود.
لم تمول ناسا رغبته بإجراء تجارب طيران تشمل حيوانات مسبتة. تنحصر ابحاثه الحالية في احصائيات لدراسات السبات الراهنة وتجاربه على السبات لدى الفئران والعلق والحلزونات. اقترح جريكو عام 2015عقد مؤتمر دولي عن السبات يضم خبراء السبات في العالم لمناقشة تطبيقاته في الفضاء العميق ولكن ناسا رفضت تمويله ولا يزال يرغب بجمع المال لعقده.
يقول ليروي تشياو وهو رائد فضاء سابق لدى ناسا وقبطان محطة الفضاء الدولية قضى 193 يوم في المدار بين اكتوبر 2004 وابريل 2005 “هناك ثمة عوائق هامة امام ابحاث السبات إذا كنا جديين في الذهاب أبعد في الفضاء.” لأن اجراء التجارب على الحيوانات قضية شائكة ادخلت ناسا في نزاع مع جماعات الدفاع عن حقوق الحيوان ويضيف” حتى الابحاث البسيطة على الرئيسات تثير حنق الناس”.
حل الكوكبين The Two Planet Solution
يرى جاسن ديرليث وهو مدير برنامج في هيئة مفاهيم الابتكار المتطورة لدى ناسا في واشنطن بارقة أمل. وبفضل متابعة ديرليث منحت الهيئة منحتين منذ عام 2013 لشركة تبني خططاً مفصلة لبناء موائل مهيئة للسبات تسعى نحو المريخ. يتزعم المشروع شركة مشاريع أعمال الفضاء في مدينة دنودي بولاية جورجيا على مبعدة 20 ميلاً شمال اتلانتا وهي متعاقد تصميم مع ناسا ووزارة الدفاع قامت بتطوير مجاميع الأقمار الصناعية كيوبسات Cubesat. استحوذ السبات على خيال رئيس الشركة ومؤسسها جون برادفورد.
يقول برادفورد وهو الحائز على شهادة الدكتوراه في الهندسة الفضائية وقاد عدة مشاريع تصميم لدى الناسا ووكالة مشاريع الابحاث المتقدمة ومختبر ابحاث القوات الجوية لتصميم طائرات فضائية عسكرية وعمل كمستشار لفيلم الخيال العلمي 2016 المعنون مسافرون Passengers حيث لعبت جنيفر لورنس وكريس برات دور مستوطنين بين المجرات يستيقظان من السبات قبل الأوان “تساءلت طوال 15 سنة عن كيفية تصميم مواد وبنى وانظمة دفع لتمكين مهمة إلى المريخ وأقماره ولكننا لم نعد في سياق مهمة ابوللو –” لا أعلام ولا مواطئ أقدام.” يجي علينا التحول إلى نوع ثنائي الكوكب.”
استخدم فريق برادفورد الهندسي الطبي أولى المنح عام 2013 لتصميم مسكن معدوم الجاذبية قوي البنية على اساس تصاميم مركبة طاقم المحطة الفضائية. يحوي المسكن انظمة دارة أوكسجين مغلقة وانتاج مياه وعربات ذهاب واياب مباشر إلى المريخ وإمداد لطاقم من ستة أفراد يدخلون في سبات طوال الرحلة التي ستستغرق من ستة إلى تسعة أشهر.
تعتمد المعالجة الطبية المقترحة على استخدام تقنيات مماثلة لتلك التي استخدمها الجراحون في غرف العمليات لإتقان وتحفيز تخفيض حرارة الجسم. يمكن مثلاً ادخال غاز النتروجين المبرد إلى رواد الفضاء عبر القنية الانفية بحيث يخفض درجة حرارة الجسم إلى ما بين 31.6 و35.5 مئوية وهو المجال القريب من الطبيعي اللازم للحفاظ على السبات دون التبريد الزائد للقلب أو زيادة خطر المضاعفات الأخرى.
يقول تيشرمان: يقلل التبريد احتمال التجلط في الجسم. ولاحظ ان المرضى الذين بردوا إلى مستويات بسيطة من تخفيض حرارة الجسم 33.8 مئوية لمدة 48 ساعة أو أكثر عانوا من عدوى أكثر من الأفراد غير المبردين.
ستبرمج الأذرع الروبوتية في المركبة للقيام بالمهام الروتينية والمحافظة على أطراف رواد الفضاء ومراقبة مجسات الجسم وخطوط افراغ البول وامداد الكيماوياوت. سوف تدير الروبوتات المحفزات الكهربائية لعضلات رواد الفضاء للحفاظ على القوام اضافة إلى التخدير للحيلولة دون استجابة ارتعاش طبيعية. سيتلقى رواد الفضاء تغذية كاملة عن غير طريق الأمعاء حيث يتم حقن كافة المواد المغذية – الشوارد والسكريات والدهون والفيتامينات المنحلة في سائل – عبر قثطرة catheter داخلة في الصدر أو الفخذ. تجهز الشركة امدادات تغذية تكفي لـ 180 يوم في المركبة التجريبية وإذا تطلب الموئل اقامة مريخية أطول يكون في الوحدة كميات مذية تكفي لـ 500 يوم إضافي.
خفضت الشركة عبر موئل النقل إلى المريخ الوزن الكلي للوحدة بما في ذلك المواد المستهلكة إلى 19.9 طن (وزن مدار الأرض المنخفض) وبالمقارنة مع وحدة ناسا ترانس هاب Trans Hab مع المواد المستهلكة المحددة في مراجع التصميم التي تزن 41.9 طن. يوازي هذا التخفيض 52% في الوزن مع تخفيض وزن المواد المستهلكة بالمقارنة مع ناسا بمقدار 70%.
يقول ديرليث” قدمت الشركة مقترحاً مثيراً للاهتمام. درس العلماء سابقاً السبات في التطبيقات الطبيعية ولكن لم يقم أحد حسب علمنا بدراسة هندسة ما سيحدثه النوم المبرد في الرحلة.”
حصلت الشركة عام 2013 على هبة بمبلغ 100000 دولار لتطوير هيكل مهيأ للسبات لمهام الاستكشاف الصغيرة – تلك التي تحوي طاقم من أربعة إلى ثمانية أفراد يتجهون إلى المريخ أو أقماره. ولكن الوكالة أحجمت عن فكرة وضع كافة أفراد الطاقم في سبات طوال الرحلة.
ماذا عن المضاعفات الطبية او تلك المتعلقة بمركبة الفضاء؟
وإلى أي مدى سيبقى رواد الفضاء في سبات دون إحداث ضرر نفسي أو جسدي؟ وماذا لو حدث عارض يتطلب ايقاظهم المبكر؟ وماذا عن زمن الايقاظ والتسخين البطيء اللازم لإخراج الرواد من سباتهم؟
أعادت هذه الأسئلة فريق الشركة إلى العمل من جديد وصمم موئل طاقم سبات سيبقي بعض الرواد مستيقظين بالتناوب من أجل القيام بمهام الطيران والتدخل عند الضرورة (كما حدث في فيلم 2001 الذي انتج عام 1968 حيث يبقى رائدا الفضاء على متن المركبة الفضائية ديسكفري المتجهة إلى المشتري يقظين بينما ينام الآخرين)
انتقل فريق برادفورد خطوة أخرى إلى الأمام عندما صمم وحدات سكن مترابطة لمهمة مريخية تهدف للاستيطان وتضم 100 راكب – مستعمر- حيث أنتج الفريق مركبة فضائية وموئلاً تجاوز كل خطط ناسا. اشتملت مركبة المستوطنين على وحدتين سكنيتين دوارتين تتسع كل واحدة لـ 48 راكب في حالة سبات ويولد الدوران بسرعات متعددة جاذبية اصطناعية لمقاومة هشاشة العظام لدى الرواد.
ولكن في مقترح “وضعية الحارس” الأكثر جرأة سوف يتسع مسكن الوحدة لأربعة رواد يعتنون بالبقية عبر التناوب طوال زمن الرحلة وربما يتبادل واحداً أو أكثر من الرواد الآخرين السبات لإبقاء الطاقم منتعشاً.
يقول برادفورد: تحصل على 80% من الفوائد عن طريق التدوير عبر الطاقم المسبت وايقاظ البعض بدلاً من اطفاء الانوار على الجميع لمدة ستة أشهر.”
ستكون المركبات الفضائية التي تحوي المستوطنين السابتين أخف وزناً مما يساعد على تحقيق سرعات أعلى ورحلات أقصر زمناً وربما حماية أفضل من الاشعاع بسبب الأثر الحامي من الأشعة لتخفيض الاستقلاب.
كما ان الرواد السابتين لن يعانوا من دوار الفضاء وهي حالة شائعة في محطة الفضاء الدولية.
النوم مثل الدببة Sleep like a Bear
Picture: REUTERS/Kaisa Siren/Lehtikuva |
كيف سيكون السبات في الفضاء؟ ليس كتجميد المريض في العمليات العالية التبريد ثم العودة إلى الحياة بحسب دوج توك وهو مستشار توليد ولشركة أعمال الفضاء استخدم تبريد الجسم العلاجي لمعالجة الأطفال المعانين من نقص الأوكسجين” معدل نجاح التبريد العالي صفر في ذلك المجال. لم يخلق الجسم البشري للتجميد. لأنه يتكون بمجمله من الماء وعندما يتمدد ذلك الماء (كما في حالة التجميد) فإنه يحدث ضرراً للخلايا.”
سيكون سبات رائد الفضاء كغيبوبة. وهي حالة تتراوح بين نوم معدوم الاحلام وإدراك نصف واع. يشرح توك” يظهر مرضى الغيبوبة دورات من نشاط الدماغ المتبادل بين شبه الاستيقاظ ونوم بلا حركة العين السريعة.”
رغم عجز مرضى الغيبوبة عن الحركة لكن أدمغتهم تبقى نشطة وحتى مستجيبة للمحرضات الخارجية مثل الأوامر اللفظية.
يحدث السبات للدببة بطريقة مماثلة: تنخفض درجة حرارة أجسادها قليلاً (تماثل درجة الحرارة المتوسطة الانخفاض لدى البشر) بينما ينخفض معدل الاستقلاب لديها بمعدل 75%. تتمكن الدببة في الأجواء الشمالية من العيش في سبات لمدة ستة إلى ثمانية أشهر دون طعام أو شراب وتلد إناث الدببة الحوامل صغارها وترضعها حتى أثناء السبات.
ينظر توك:” سيفعل الفرد السابت مثلما يفعل الدب ويتناوب بين النوم معدوم حركة العين والصحو ومثل الدب الذي يستيقظ من سبات ولكنه يعاني من نقص النوم.”
وافقت الهيئة في مايو(أيار) عام 2016 على مرحلة ثانية من المشروع وقدمت للشركة مبلغ 250000 دولار لتمديد المرحلة الأولى من خطط ابحاث الهندسة والتشغيل والطبابة.
يقول ديرليث:” أثبتت المرحلة الأولى ان ما يتحدثون عنه هو أمر حقيقي. نحن سعداء للغاية برؤية تقدم الدكتور برادفورد.”
اقترح فريق العمل إعادة تصحيح هندسة الموائل. اختار سبات لمدة اسبوعين إلى ثلاثة مع عدد صغير من الخنازير السليمة. تشبه الخنازير البشر من حيث انها غير سابتة وبالتالي ستقدم استجاباتها الفيزيولوجية للسبات المحفز مؤشرات أفضل من دراسات الفئران والحلزونات. ولكن تشريعات الوكالة تحظر الناسا من تمويل ابحاث على الخنازير.
لذلك قدمت الشركة اقتراحاً بديلاً: ان تقوم بأبحاث على تجارب الكبح الاستقلابي الموجودة مسبقاً بشكل شامل من أجل تأسيس خارطة طريق قريبة المدى للتطور التكنولوجي بما في ذلك ابحاث على الحيوانات أكثر منهجية تؤدي إلى دراسات على البشر. وستقوم الهيئة بمراجعة متوسطة لتقدم الشركة قبل منحها 250000 دولار إضافي.
كتب مؤسس الشركة ورئيسها جون اولدز في بريد الكتروني لاحق:” لا زلنا نعتقد بضرورة اجراء تجارب على أفراد لتطوير تكنولوجيا السبات لفترات أطول. وقد تحتاج تلك المرحلة إلى داعمين من القطاع الخاص.”
وبغض النظر عمن يدفع التمويل يبقى اجراء التجارب على الحيوانات صعباً لأنه يثير أسئلة أخلاقية.
يقول الدكتور ارثر كابلان مدير قسم أخلاقيات الطب في مركز لابجون الطبي التابع لجامعة نيويورك” أعتقد ان ناسا على صواب: التروي هو أفضل مسار. ومع توافر الحماس “للحياة المعلقة” لأجل فترات طويلة في الفضاء فإن ناسا لا يعوزها مشاكل أكبر مع مناصري حقوق الحيوان.”
ويضيف” تشبه الخنازير البشر من الناحية الفيزيولوجية لذلك تبدو نموذجاً قريباً للاختبار على البشر ويمكن القول للنقاد: ان اعداد الخنازير التي ستدخل هذا النوع من التجارب لن تصل إلى معدل ما يتناوله الأمريكي العادي على إفطاره منها خلال أسبوع.”
العامل البشري The Human Factor
أضفت روايات وأفلام الخيال العلمي جانباً رومانسياً على السبات. وألمحت إلى ان البشر سيدخلون ويخرجون من حالة تشبه الغيبوبة بلا صعوبة ولكن الواقع خلاف ذلك. ويضيف كابلان: سيكون أول من تجرى عليهم ابحاث السبات أفراداً غير عاديين- على الأغلب طيارين اختباريين.
يتوقع كابلان قائلاً” يجابه هؤلاء الأفراد المخاطر كل يوم ويتفهمون المخاطر الفيزيولوجية لأنهم يختبرون الطائرات ويعرفون كم من زملائهم قضى أثناء ذلك. ورأيت منهم من يقبل بأي تجربة تدفعه إلى الفضاء. وهدفنا هو ادخالهم فيها.”
ستكون التجارب البشرية أمراً غير مسبوق. لم يحاول شخص قط استخدام تخفيض حرارة جسم فرد لكبح استقلابه ما لم يكن بالغ المرض أو شديد الجراح ناهيك عن رواد فضاء مكتملي العافية.
يقول توك: ” رأينا الكثير من الأشخاص الأصحاء الذين تطوعوا لإجراء تجارب على السبات طويل الأمد. هناك طلب مكبوت لأفراد يريدون الخروج من الحياة لمدة ستة أشهر وأنا على يقين بأن وكالة الغذاء والدواء الأمريكية لن توافق على ذلك.”
دعا توك في الوقت الراهن اثنان من خبراء تخفيض درجة حرارة الجسم العلاجي – الدكتور اليهاندرو رابينشتاين المدير الطبي لوحدة العناية المركزة لعلوم الأعصاب في مايو كلينيك والدكتورة كيلي درو عالمة أعصاب في جامعة الاسكا في فيربانكس التي تجري ابحاث على سبات الحيوانات للانضمام إلى أبحاث الشركة.
تدرس درو وعلماء آخرين في معهد البيولوجيا القطبية في جامعة الاسكا انماط السبات للحيوانات الماصة للحرارة مثل القنافذ والسناجب القطبية الأرضية والدببة وهدفهم العثور على مفتاح لحالة سبات صحية – والشلال المؤشر في الدماغ الذي يحفزها – والذي يمكن تبنيه على رواد الفضاء دون أية أعراض جانبية.
يبرد السنجاب القطبي الأرضي نفسه إلى درجة الصفر المئوي خلال الشتاء ولا يفهم أي عالم ما لذي يقدح سباته بالرغم من ان مستقبل دماغي عضلي محدد – المستقبل ادينوزين A1 adenosine – هو من يدفع السنجاب إلى البرودة والنوم ليخرج بعد ثمانية أشهر بفقدان بسيط للعضلات والعظام.
تقول درو:” يلعب الادينوزين وهو معدل عصبي دوراً في النوم وفي تخفيض استثارة الدماغ. وهو متوافر بكثرة في أدمغة الحيوانات.”
قامت درو بحث السبات في السناجب القطبية الأرضية باستخدام عقار يحاكي مستقبلات ادينوزين لديها. وتستطيع ايقاظ السناجب من السبات باستخدام عقار آخر لحجب المستقبل ذاته.
ولكن الشلال المؤشر والتركيبة الوراثية للبشر أكثر تعقيداً ويصعب فك شفرتها ومما يضيف إلى التعقيد ان السابتات لا تسبت كلها بنفس الطريقة.
يعتقد ان الحيوان الوحيد من الرئيسات الذي يقوم بذلك هو هبار ( ليمور) مدغشقر القزم السمين – الذنب والذي يمضي سبعة أشهر في السنة في سبات وغالباً في جو حار ويعيش على استهلاك الدهن في ذيله.
الليمور القزم سمين الذنب : مصدر الصورة ويكيبيديا |
لا تحتاج معدلات الاستقلاب المنخفضة لدى الحيوانات إلى تخفيض درجة حرارة الجسم.
يقول رابينشتاين الذي يخطط لمساعدة الشركة على تقييم تخفيض درجة الحرارة البسيط لحث السبات ان التقنيات التي تعمل في وحدة العناية المركزة قد لا تكون ذات اعتمادية في الفضاء.
يقول: منحتنا حوادث غرق الأطفال ونجاتهم في البحيرات المتجمدة بعض الأمل. ولكن هل سنحول هذا الفهم لتخفيض درجة الحرارة العميق إلى درجة مقبولة تسمح للأفراد بتحمله لفترة زمنية أطول والنفاذ منها دون أية شدة نفسية أو فيزيولوجية؟ يجب الانتظار ولكن أعتقد بوجود فرصة في الأفق.
المقالة الأصلية
اترك تعليقاً