إن الكثيرين من بني جلدتنا ينظرون للعلوم النفسية والاجتماعية الغربية نظرة تصل حد التقديس ويتهمون كل من يشكك في تلك العلوم و مدى جدواها ، لكن المتأمل يرى بوضوح حالة الفشل الغربي المزمن في إرساء دعائم نفسية قوية لدى أفراد مجتمعاته .
فعلى الرغم من توافر الظروف المناسبة من ناحية جودة التعليم ومستوى المعيشة المستقر وتفوق نزعة الحريات الشخصية فإنك تجد عكس المتوقع تماماً فنسب الانتحار في ارتفاع وتفكك الأسر وتراجع المواليد وتزايد العنصرية ونزعة التطرف توحي بأن هناك مشكلة حقيقية .
إن أي شخص يتمتع بقدر مقبول من الثقافة و يهتم بمدخلات الحقائق العلمية و مخرجاتها يمكنه بسهولة أن يلمح ذلك العوار الذي يظهر تحديداً في مجال علم النفس والكثير من العلوم الاجتماعية التي فيما يبدوا تفتقر للانضباط بالضوابط العلمية المقبولة.
ارتبط علم النفس ببعض الشخصيات المثيرة للجدل مثل سيغموند فرويد الذي لقب بـ”أبو علم النفس الحديث” وتبين لاحقاً أنه شخص محتال تماماً ، الأمر الذي أثر على سمعة هذا المجال كعلم .
الفشل في تكرار نتائج العديد من الدراسات النفسية أيضاً ألقى بظلال رمادية على هذا العلم، عندما تم إعادة اختبار العديد من الدراسات النفسية الشهيرة بطرق أكثر صرامة ، فشل العلماء في تكرار النتائج لنفس التجارب . بدت النتائج ببساطة أقل إثارة للإعجاب عند إعادة الفحص. من الممكن أن تفشل حوالي 50 في المائة من الأدبيات النفسية المنشورة عند إعادة الاختبار ، لكن لا أحد يعرف بالضبط مدى عدم الاستقرار في أسس العلوم النفسية. أثار هذا الإدراك المزيد من التشكك.
سيجموند فرويد : مدمن الكوكايين المحتال
إن سيغموند فرويد هو مثال صارخ حول الزيف العلمي كان الرجل كذاباً ومحتالاً ومدمناً للكوكايين ثم رفعوه لمرتبة الآلهة واعتبروه مؤسس ورائد لعلم النفس وهو الشخص الذي تدرك بمجرد أن تقرأ أطروحاته أنك أمام كذاب بارع بتسويق نفسه وحدسه فقط ولا يمكنه إثبات أي مما جاء به ، بل لقد اعترف فرويد -ربما تحت تأثير الكوكايين- بأنه لم ينجح في علاج أي حاله. لقد أفلت فرويد بكل ما فعل وكان هذا كافياً للتشكيك في أدوات التقييم العلمي لهذا المجال بأكمله .
الجدل حول علم النفس منبعه ليس فقط الصحفيين والمثقفين فقد يجادل البعض بأن ممارسات بعض من رموز هذا العلم الذين أفلتوا من العقاب لفترة طويلة إنما هي ممارسات فردية لا يجب أن تؤثر على صورة علم النفس ذاته لكن الحقيقة هي أن المجتمع العلمي نفسه يقابل العلوم النفسية والاجتماعية بالكثير من التشكك حول جديتها ومصداقيتها لدرجة أن عدد ليس بقليل من العلماء يخرجونها من دائرة العلوم من الأساس .
علم النفس ليس علماً !
أحد أمثلة الجدالات التي ثارت في المجتمع العلمي هو هذا الجدال تناولته الصحف منذ 10 سنوات تقريباً ، بدأت القصة حينما أعرب عالم النفس تيموثي ويلسون ، الأستاذ بجامعة فرجينيا ، في مقاله الافتتاحي بصحيفة التايمز عن غضبه من حقيقة أن معظم العلماء لا يعتبرون مجاله علما حقيقياً. ويصف تيموثي العلماء الطبيعيين بأنهم متنمرون ومتعالين.
يقول تيموثي
“ذات مرة، خلال اجتماع في جامعتي، ذكر عالم أحياء أنه عضو هيئة التدريس الوحيد الحاضر من قسم العلوم. عندما قمت بتصحيحه ، مشيرا إلى أنني كنت من قسم علم النفس ، فلوح بيده باستخفاف ، كما لو كنت لاعباً هاوياً في دوري البيسبول أخبر لاعباً محترفاً في نيويورك يانكيز أنه أيضا يلعب البيسبول.
ثم تابع
“لطالما كان هناك تكبر في المجتمع العلمي ، حيث يعتبر ممارسي العلوم “الصعبة” (الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا) نفسهم أكثر شرعية من تلك العلوم “الناعمة” مثل (علم النفس ، علم الاجتماع).
بالمقابل يجادل أليكس ب. بيريزو وهو محرر بمجلة Real Clear Science ، وحاصل على دكتوراه في علم الأحياء الدقيقة بإن الموقف الرافض من قبل العلماء الطبيعيين تجاه علماء النفس ليس متجذرا في التكبر. وإنما متجذر في الإحباط الفكري من فشل علماء النفس في الاعتراف بأنهم ليس لديهم نفس الادعاء حول الحقيقة العلمية كغيرها من العلوم الصعبة. إنها متجذرة في السخط المتعب الذي يشعر به العلماء عندما يحاول غير العلماء التظاهر بأنهم علماء.
يتابع أليكس في مقالته قائلاً
هذا صحيح. علم النفس ليس علماً !
لماذا يمكننا أن نقول ذلك بشكل قاطع؟ لأن علم النفس غالبا ما لا يفي بالمتطلبات الأساسية الخمسة لمجال ما لاعتباره دقيقا علمياً مثل :
- المصطلحات المحددة بوضوح
- قابلية القياس الكمي
- الظروف التجريبية الخاضعة للرقابة العالية
- قابلية الاستنساخ والتكرار
- وأخيرا القدرة على التنبؤ والثبات.
أبحاث السعادة هي مثال رائع حول سبب كون علم النفس ليس علماً . كيف ينبغي تعريف “السعادة” بالضبط؟ يختلف معنى هذه الكلمة من شخص لآخر وخاصة بين الثقافات. ما يجعل الأميركيين سعداء لا يجعل الشعب الصيني سعيداً بالضرورة. كيف يقيس المرء السعادة؟ لا يمكن لعلماء النفس استخدام مسطرة أو مجهر ، لذلك يخترعون مقياساً تعسفياً. اليوم ، شخصيا ، أشعر أن حالتي حوالي 3.7 من أصل 5. ماذا عنك؟
إن الفشل في تلبية أول شرطين من متطلبات الدقة العلمية (المصطلحات الواضحة والقابلية للقياس الكمي) يجعل من المستحيل تقريبا على أبحاث السعادة تلبية المتطلبات الثلاثة الأخرى. كيف يمكن أن تكون التجربة قابلة للتكرار باستمرار أو تقديم أي تنبؤات مفيدة إذا كانت المصطلحات الأساسية غامضة وغير قابلة للقياس الكمي؟ ومتى بالضبط كان هناك تنبؤ موثوق به حول السلوك البشري؟ يعد إجراء تنبؤات مفيدة جزءا حيويا من العملية العلمية ، لكن علم النفس لديه سجل كئيب في هذا الصدد. فقط اسأل محلل السياسة الخارجية أو الاستخبارات.
لكي نكون منصفين ، ليست كل أبحاث علم النفس متهافته بنفس القدر. بعض الأبحاث أكثر دقة من الناحية العلمية. وغالبا ما ينتج عن هذا المجال رؤى مثيرة للاهتمام ومهمة.
لكن الادعاء بأنه “علم” هو ادعاء غير دقيق. في الواقع ، إنه أسوأ من ذلك. إنها محاولة لإعادة تعريف العلم. فالعلم، بعد إعادة تعريفه، سيتحول من “التحليل التجريبي للعالم الطبيعي” إلى “أي موضوع يرش بعض الأرقام المتناثرة حوله” وهذا أمر خطير لأنه في ظل هذا التعريف الفضفاض، يمكن لأي شيء أن يعتبر علماً. وعندما يصبح أي شيء مؤهلاً كعلم، لن يعود بوسع العلم أن يدعي أن لديه فهما فريداً للحقيقة العلمية.
وختم أليكس كلامه بقوله
أن العلماء إذ يرفضون علم النفس. فهم في الحقيقة إنما يدافعون بحق عن أرضيتهم الفكرية.
تعليقان
أرجو من كاتب المقال قراءة كتب د.ديفيد هاوكينز : القوة مقابل الإكراه ، السماح بالرحيل ، تجاوز مستويات الوعي
جزاكم الله خيرا علي المجهود الرائع
سعدت بك وشكراً جزيلاً على الترشيحات