ضمن تجربة مهمة أجراها باحثون بجامعة كالتك، اكتشف الباحثون حاسة ضامرة لدى الإنسان تشبه بوصلة داخلية ، لكن هذه الحاسة لا تتعلق بالتنبؤ أو بمعرفة الخطأ و الصواب كما قد يقفز لذهنك، بل بوصلة حقيقية يمكنها استشعار التغيرات في المجال المغناطيسي للأرض و تحديد الإتجاهات، لكن لماذا يحتاج البشر لتلك البوصلة الداخلية و ما الذي جعل هذه الحاسة القديمة غير نشطة ؟
وصف أرسطو الحواس الخمس الأساسية بما في ذلك الرؤية والسمع والذوق والشم واللمس’. ومع ذلك ، لم يفكر في الجاذبية ودرجة الحرارة والألم والتوازن والعديد من المحفزات الداخلية الأخرى التي نعرفها الآن كجزء من الجهاز العصبي البشري. في الحقيقة استشعار المجال المغنطيسي الأرضي ربما يمثل الحاسة العاشرة أو الحادية عشر وفقاً لما نملكه من حواس.
بوصلة داخلية بشرية
العديد من الحيوانات تتمتع بهذه الخاصية، يستخدم نحل العسل وسمك السلمون والسلاحف والطيور والحيتان والخفافيش المجال المغنطيسي للأرض لمساعدتهم على التنقل والملاحة، كما يمكن تدريب الكلاب على تحديد موقع مغناطيس مدفون ربما بكفاءة أكبر من العثور على الغذاء ، في الحقيقة هناك سلوك غير مفهوم عند الكلاب فهي تميل لقضاء حاجاتها متجهة بمحاذاة خطوط الشمال المغناطيسي !
منذ فترة طويلة كانت هناك نظرية ترجح أن البشر ربما لديهم قدرات أيضاً لتحديد الشمال المغناطيسي ، وعلى الرغم من سلسلة الأبحاث التي حاولت اختبار هذه الفرضية في الثمانينيات ، إلا أنها لم تظهر نتائج إيجابية بشكل قاطع.
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحصول على أدلة قوية حول امتلاك البشر لهذا النوع من الحواس. ففي تجربة مثيرة كشف العلماء أن موجات الدماغ لدى البشر تتغير بتغير المجال المغناطيسي للأرض، هذا يعني أن البشر وبشكل غير واعي يمكنهم تحديد هذه التغييرات وإدراك الاتجاهات بدون بوصلة.
تجربة ناجحة
لمحاولة تحديد ما إذا كان البشر يستشعرون المجالات المغناطيسية ، قام الباحثون ببناء غرفة معزولة محمية من الترددات الراديوية و المغناطيسية ، المشاركين في التجربة كانوا يجلسون مغلقين أعينهم في صمت وظلام شديد لمدة ساعة. خلال ذلك الوقت ، يتم تغيير المجال المغناطيسي بصمت حول الغرفة وقياس موجات المخ لدى المشاركين عبر أقطاب كهربائية توضع في 64 موقعًا على رؤوسهم.
تم إجراء الاختبار على 34 مشاركًا من مجموعات عمرية و عرقية واسعة . خلال الجلسات ، لا يختبر المشاركون أي شيء أكثر إثارة للاهتمام من الجلوس بمفردهم في الظلام.
موجات ألفا
خلال التجربة ، قامت أجهزة رسم الدماغ الكهربائي (EEG) بقياس نوع من الموجات الدماغية التي تسمى موجة ألفا. قام الباحثون بتتبع إيقاع ألفا في الدماغ ، والذي يحدث ما بين 8 و 13 هيرتز وهو مقياس لمعرفة ما إذا كان الدماغ منشغلًا أو في وضع الراحة أو الطيار الآلي.
موجات ألفا هي موجات دماغية تحفز الجسم على الإسترخاء ، عندما يكون الدماغ البشري غير مرتبط بمؤثر حسي ، تكون قوة موجات ألفا عالية، لكن عندما يستحوذ شيء ما على إنتباه المخ – بوعي أو بغير وعي – تنخفض قوة موجات ألفا. المنبهات الحسية الأخرى مثل الرؤية والسمع واللمس تسبب انخفاض مفاجئ في سعة موجات ألفا في الثواني القليلة الأولى بعد الحافز. موجات ألفا تتناقص في السعة عندما يلتقط الدماغ إشارة ، سواء كانت مرئية أو صوتية … أو شيء مغناطيسي.
نتائج مثيرة
أظهرت التجربة عدة نتائج ملفتة :-
تأثير واضح لتغيرات المجال المغناطيسي على الدماغ : بعض المشاركين ، بدأت قوة ألفا في الانخفاض لديهم مباشرة بعد التحفيز المغناطيسي ، حيث انخفضت بنسبة تصل إلى 60 في المائة على مدى عدة مئات من المللي ثانية ، ثم عادت إلى خط الأساس بعد بضع ثوانٍ من الحافز.
معالجة ذكية للمعلومات : كشفت الاختبارات كذلك أن الدماغ يبدو أنه يعالج المعلومات المغناطيسية ويرفض الإشارات غير الطبيعية. على سبيل المثال ، عندما استخدم مجال المغناطيسي في الاتجاه الرأسي “العمودي” خلال التجربة ، لم تكن هناك تغييرات مقابلة في موجات الدماغ . لأن المجال المغناطيسي يشير عادةً إلى نصف الكرة الشمالي في الإتجاه الأفقي بينما لا يعني الإتجاه الرأسي أو العمودي أي شيء ، على ما يبدو أن الدماغ يتجاهل الإشارات التي من الواضح أنها ‘خاطئة’.
فروق فردية : في بضع أفراد ، انخفضت موجات الدماغ ألفا في السعة بنسبة تصل إلى 60 في المئة. لكنها عادت فقط عندما تحول الحقل من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي – وليس في الاتجاه الآخر بعكس باقي المشاركين ، هذا ربما يشير إلى اختلاف بين البشر في تلقي هذه المجالات مثلما هناك شخص يستخدم يده اليمنى وآخر يميل لاستخدام اليد اليسرى .
لماذا فقدنا هذه الموهبة ؟
هناك احتمالان مرجحان حول سبب فقدان هذه الموهبة ، الأول أنها لم تعد مستخدمة بسبب أنماط الحياة الحديثة التي لا تتطلب معرفة فطرية بأنماط الملاحة ، السبب الثاني هو التداخل الكبير للموجات المغناطيسية للأجهزة حولنا و التي ربما تسبب تشويشاً على عقولنا و تجعلها أقل قدرة على تمييز المجال المغناطيسي الضعيف للأرض.
ملاحين خارقين
الخطوة التالية هي محاولة إعادة تنشيط هذه البوصلة الداخلية وإدخالها في نطاق الوعي البشري ، النجاح في هذا ربما يساهم في تحويل البشر إلى ملاحين خارقين دون بوصلة أو جي بي إس أو حتى استرشاد بالنجوم .
مصدر
https://www.livescience.com/65018-human-brain-senses-magnetic-field.html
https://www.caltech.edu/about/news/evidence-human-geomagnetic-sense
هل استفدت من تلك المقالة ؟ أخبرني في التعليقات على مقياس 1-10 مدى استفادتك و فهمك لما ورد فيها
اترك تعليقاً