الثلج مذكور في كثير من الأدبيات التاريخية في المناطق الصحراوية مثل مصر الجزيرة العربية وبلاد فارس قبل ابتكار الثلاجات بآلاف السنين. كان الثلج بالنسبة لأهل الصحراء تحفة رائعة تتواجد في المناطق الجبلية، فيتم جلبه على ظهور الدواب ليُستخدم في التبريد والحفاظ على الأطعمة والمشروبات طازجة في ظروف الحرارة العالية. وكان الناس يقومون بجمع الثلج ونقله وتخزينه في حفر في باطن الأرض.
عُد الثلج مصدراً للدهشة والإعجاب ومادة ثمينة جداً في تلك الفترة لاسيما لدى الملوك والأثرياء، دعت الحاجة إلى ابتكار تقنيات ليس فقط لتخزين الثلج القادم من الجبال بل إلى إنتاجه وسط قيظ الصحراء، وهنا يأتي دور تقنية اليخجال وهي تقنية قديمة ابتكرها الفرس قبل الميلاد ب400 عام كاملة لانتاج الثلج!
اليخجال ثلاجة الصحراء
ان اقدم تقنية معروفة لإنتاج الثلج وتبريد الطعام والماء كانت تتم في بلاد فارس فيما يعرف باليخجال أو اليخشال (وتكتب yakhchāl) تتكون كلمة يخجال أو يخشال من مقطعين “يخ” وتعني الثلج و “جال أو شال” وتعني الحفرة أي “حفرة الثلج”.
في إيران وأفغانستان وطاجيكستان الحالية لا يزال يستخدم مصطلح yakhchāl أيضا للإشارة إلى الثلاجات الحديثة.
واليخجال هو طراز فريد من المباني استخدم قديماً لإنتاج الثلج وسط الصحراء القاحلة. تميز هذا النوع من المباني بقبته الهرمية ذات الشكل المخروطي والفتحة العلوية أو الفتحات العلوية أو أبراج الرياح .
كيف يعمل اليخجال ؟
تشبه تقنية اليخجال كثيراً عمل أواني الماء الفخارية مثل القلة أو الزير حيث يحمل بخار الماء جزءاً من الحرارة بعيداً ليبقى الماء بارداً ومنعشاً .
في البداية يتم إدخال الهواء البارد من أسفل المبنى والذي يمر على بركة ماء ضحلة تكون بداخلة ويتم ملئها يومياً من مصدر ماء عذب. ومن خلال خاصية تبخر الماء فإن البخار الصاعد يلتقط جزءاً من الحرارة داخل المبنى خلال صعوده ويطردها عبر أبراج الرياح ليبقى الهواء البارد في الأسفل وبمرور الوقت قد يصل الماء إلى حد التجمد. يمكن تسريع هذه العملية من خلال نقل الجليد من الجبال للياخشال ليكون بمثابة بذرة.
في الحقيقة باستخدام هذه التقنية كان من الممكن الوصول إلى درجات حرارة أقل من الصفر حتى عندما تتجاوز الحرارة الخارجية 40 درجة مئوية .
تشير بعض المصادر إلى أن تلك القباب الجميلة كانت تغطى بطبقة سميكة من القش لعزلها عن حرارة الشمس ، وفي هذه الحالة كان المبنى أشبه بأكوام التبن المشعرة العملاقة.
يبنى اليخجال عادة على بعد كيلومتر تقريباً من مركز المدينة حتى يلتقط أكبر قدر ممكن من الرياح. وقد يصل هيكله المخروطي إلى ارتفاع 18 مترًا وسعته الكلية إلى 5000 متر مكعب.
يستخدم في بناء اليخشال عادة ملاط فريد مقاوم للماء يسمى الصاروج. وهو ملاط من الرمل والطين والجير وشعر الماعز والرماد بنسب محددة ونسبة ضئيلة من بياض البيض، و ملاط الصاروج يتميز بأنه عازل جيد للحرارة ومقاوم للماء والرطوبة . تعمل هذه المادة كعزل فعال على مدار السنة. يبلغ سمك جدران الصاروج مترين على الأقل عند القاعدة.
خلال النهار يكون اليخجال عازلاً وعاكساً للحرارة وطارداً لها من داخله مما يحافظ على برودة الماء والثلج بينما خلال الليل تكون درجات الحرارة داخله منخفضة حتى أنها تصل لقيم سالبة مما يساهم في تكوين الثلج ، وهذا يعني أن برك الجليد يمكن أن تستخدم برودة ليالي الصحراء و / أو التبريد الإشعاعي لتجميد المياه التي سيتم نقلها لاحقا إلى التخزين كجليد.
وتفيد التقارير أن مرافق ياخشال لإنتاج الثلج كانت تدار كعمليات مجتمعية وكشركات لبيع الثلج.
على الرغم من سيطرة تكنولوجيا التبريد والتجميد التجارية الحديثة والمعتمدة على الكهرباء والوقود الأحفوري مما أدى لاختفاء هذه التقنيات الرائعة ، فقد تم إحياء بعض الاهتمام بهذه التقنية القديمة كمصدر إلهام في تصميم المساكن منخفضة الطاقة والهندسة المعمارية المستدامة.
يمكن لمثل هذه التقنيات القديمة أن تساهم في بناء القرى والمدن المستقبلية وسط الصحراء دون اتصال بشبكة كهرباء مركزية أو إمدادات وقود بعيدة أو ألواح طاقة شمسية باهظة التكلفة وما تتطلبه هذه التقنيات من صيانة وتكاليف عالية فضلاً عن التكلفة البيئية الكبيرة التي ندفعها اليوم و التي تعني المزيد من الارتفاع في درجات الحرارة.
مصادر
Ancient Advanced Technology: 2,400-Year-Old Yakhchals Kept Ice in the Desert
Max Fordham
اترك تعليقاً