هل صدف أن لاحظت علامات الضيق على وجه طبيبك و أنت تخبره بأمر ما قرأته على الإنترنت بخصوص حالتك أو حالة المريض الذي ترافقه ؟
بالتأكيد بعض الناس على الأقل لاحظوا هذا , لكن ما سر هذه الضيق , أليس من المفترض أن يسعد الطبيب بكون المريض سعى لتثقيف نفسه طبياً فيما يخص حالته , أليس هذا ما يطالب به الأطباء دائماً أمام عدسات التلفاز , أن يبتعد الناس عن نصائح الجدات و يبدأوا بتثقيف أنفسهم , لماذا يغضب الأطباء إذاً حينما يضع بعض الناس هذا الكلام موضع التطبيق ؟
أزمة العلوم الطبية
في الحقيقة العلوم الطبية كبيرة و متشعبة و لا يغطيها التعليم الأساسي بشكل كافي , فلا يوجد متخصص يدرس مباديء الطب للطلبة في المدارس في الكثير من البلاد بالرغم من أهمية ذلك لحياة الطلاب العملية.
إن معلومة طبية بسيطة قد تنقذ حياة إنسان وهو أمر يتفوق في الأهمية على كثير من العلوم التي تدرس في المدارس والتي لا يكاد يتذكر منها أحد معلومة مالم تكن مرتبطة بتخصصة في الحياة اللاحقة , لكن الأمر يختلف حينما يتعلق بالصحة فحتى أصغر معلومة تكون مرتبطة مباشرة بحياتنا.
و في غياب التثقيف الصحي الكافي عن مراحل التعليم الأساسي تقع المسئولية على عاتق الأطباء لتثقيف المرضى بشكل غير نظامي في صورة نصائح لكن في الحقيقة الكثير من الأطباء لا يستقطع جزءاً من وقته ليعطي نصائح كافية للمرضى فلماذا يغضب الأطباء حينما يسعى المرضى لتثقيف أنفسهم ؟
تجربة شخصية
شخصياً مررت بتجربة مع طبيب الأنف و الأذن الذي قام بجراحة لإثنين من أبنائي في سن مبكرة , كان الطبيب يرى أنني يجب أن أجري جراحة لإبني عند عمر سنتين بعد تكرار إصابته بإلتهاب الحلق لمرات عديدة خلال الشتاء و تضخم حجم لوزتيه كثيراً و الذي كان كبيراً بفعل عوامل الوراثة قبل التضخم.
كانت وجهة نظري بناءاً على ما قرأته عن تأثير العمليات الجراحية و التخدير بصفة خاصة على الأطفال في هذا السن و بناءاً على استجابته للعلاج و تحسن حالته هي أن أؤجل الجراحة خصوصاً أن الشتاء كان على وشك الإنتهاء ( خبرتي السابقة مع ابني الأكبر أن معدل الإلتهابات يقل كثيراً جداً خلال باقي فترات العام )
قمت بالمتابعة مع أحد الأساتذة الكبار والذي كان رأيه مختلفاً تماماً فلم يكن يرى ضرورة للعجلة في إجراء العملية قبل سن 4 سنوات , وبعكس أي طبيب قابلته كان هذا الأستاذ الكبير الذي لم أر مثله حقيقة يأخذ وقتاً كبيراً في الكشف و في شرح كل شيء للأهل و يستمع للمناقشة بصدر رحب .
موقف آخر ، أذكر أيضاً أن ابني الأكبر حين كان في شهوره الأولى اصابته مشاكل تنفسية و طلب مني الطبيب احتجازه في المشفى و عندما ذهبت للمشفى ووصفوا له جلسات الأكسجين ثم طالت المدة و لم أكن أشعر بتحسن الطفل فكتبت على ظهر تذكرته الطبية العلاجات التي يأخذها إبني في المشفى في جلساته لعله يفيدني .
ذهبت إلي الطبيب في عيادته و أخبرته أن ابني قد طالت فترة احتجازه في المشفى ( بما أنه لم يكن يعمل في ذات المشفى ) و قبل أن أكمل كلامي كان قد لاحظ ما كتبته على التذكرة الطبية , فسألني من كتب العلاج الموجود على ظهر التذكرة الطبية قلت له أنا !، قال لي ألا تعلم أن هذا العلاج لا يؤخذ قبل سن كذا ! فأخبرته أن هذا العلاج الذي كتبوه في المشفى و أنا كتبته على ظهر التذكرة الطبية ليراه فقط فلم يعلق !
صرت أتعمد إخفاء ما أعرفه من معلومات حتى لا أثير حساسية الطبيب , هذا الوضع ليس مريحاً بالنسبة لي لكن هذا ما يحدث , لاحظت أن بعض الأطباء يميلون لإخافتك إذا ظهر لهم أن لديك وجهة نظر تخالف وجهة نظرهم ( في الحقيقة لم أجادل نهائياً في المثالين السابقين و مع ذلك حصلت على رد فعل “تحسسي” نوعاً ما لمجرد الشك فقط في أنني أحمل وجهة نظر ما 😄 ) , فهل يخشى الأطباء فقدان الهيبة المستمدة من احتكار المعرفة الطبية بشكل مطلق ؟
آراء مختلفة
على العموم لنأتي ببعض الآراء التي ذكرت على موقع quora الشهير حول ذلك الأمر فهناك العديد من وجهات النظر ذات الوجاهة الكبيرة من كلا الطرفين و التي تستحق السماع :-
تقول إيريك ستيل و هي معالجة طبية
أعتقد أن الأطباء يمكن أن يصبحوا غاضبين من المرضى المستنيرين لأنهم غير راغبين في الاستماع إلى مرضاهم. وبغض النظر عما إذا كان بحث المرضى يستحق , حقيقة أن المريض يبحث بشكل مسبق فيما يخص الرعاية الصحية هو أمر إيجابي. في بعض الأحيان يسعى المرضى للإجابة عن طريق البحث لأنهم لا يشعرون أنهم مسموعون ولا يحصلون على الإجابات التي يبحثون عنها. لا يزعجني عندما يعرض لي مريض نتيجة بحثه لأنني واثقة من قدرتي ومهارتي كطبيب. إذا كان العلاج الذي بحث عنه ليس مناسباً له فإنني أخبره لماذا. بعد كل شيء، الطبيب في اللاتينية يعني المعلم، ومن واجبنا توجيه وتعليم المرضى لشفاء أنفسهم.
يقول ساتيش كومار و هو طبيب عام
أنا طبيب . زوجة صديقي أصيبت مؤخراً بمرض نادر فشل الأطباء في تشخيصه . صديقي وزوجته مهندسا برمجيات. قاما بالبحث والتشخيص بأنفسهم واكتشفوا الإصابة بمرض نادر، الفحوصات أثبتت أنه التشخيص الصحيح. وفوجئت أن مهندس تمكن من تشخيص ذلك قبل الكثير من الأطباء بما في ذلك أنا .
هذه معجزة لا يحدث دائما. لقد فاتنا هذا التشخيص لأن أدمغتنا اعتادت على التفكير في الأمراض الشائعة بدلا الأمراض غير المألوفة. ولكن هذا الشخص من دون أي تدريب طبي لا يفكر بالطريقة ذاتها . لذلك فإن البحث على الإنترنت يأتي مع إجابات دقيقة إذا كان مرضا نادرا و العكس إذا كان مرضاً شائعاً.
اشعر بالغضب عندما يخبرني المرضى بأنهم حصلوا على معلومات من الإنترنت عن أعراضهم لأنه يكلفني وقتا إضافيا لشرح ذلك، وأحيانا دماغي لا تحتفظ بالمعلومات غير ذات الصلة سريريا ( كالأعراض الجانبية النادرة أو نحو ذلك) و التي تجعلني أبدو غبياً عندما لا يكون لي بد من الاعتراف بأنني لا أعرف. ومن المحزن أني لا أستطيع، بأي حال من الأحوال، جعلهم يفهمون أن المعلومات التي يطلبونها مني ليست شيئا يجب أن أتذكره يوما بعد يوم.
معظم الأسئلة مثل أن تطلب من مهندس برمجيات فك شفرة رسالة مكتوبة بالصينية، وننظر إليه كما لو انه غبي عندما لا يتمكن من إعطاء جواب. و على أي حال، عندما يكون لديك مشكلة، فمن الأفضل أن تجد حلا بدلا من إلقاء اللوم على شخص ما. أنا أعمل على هذا .
فرانك جيمس ويلسون، أخصائي أمراض الرئة المتقاعد
المرضى عادة ما يحصلون على معلومات مضللة، الأمر الذي يتطلب أن يقضي الطبيب وقتا إضافيا يشرح سبب عدم صحتها، ولأنه نادرا ما يأتي أي شيء مفيد. ومن الصعب بالنسبة لمعظم المرضى فهم كيفية تقييم مصادر المعلومات من أجل الموثوقية، وكيفية تقييم نقدي للمعلومات الطبية، وكيفية معرفة ما هو مهم وما هو ليس كذلك.
نتائج العديد من التجارب المنضبطة متاحة على شبكة الإنترنت. ومع ذلك، ليس هذا ما يقرأه معظم المرضى ، المرضى يميلون إلى الجاذبية , إلى المصادر التي تقول لهم ما يريدون أن يسمعوه !.
أنا بحاجة إلى كل مساعدة يمكنني الحصول عليها، حتى إذا كان المريض يستطيع العثور على معلومات مفيدة أن ليس لدي ومشاركتها معي، وأنا مسرور لكن هذا تقريباً لم يحدث أبداً .
ألينا نوفاك
انها مجرد مشكلة غرور . لقد لاحظت أنه كلما كان الطبيب يعرف أقل يكره المرضى فإنه يكره المرضى المطلعين . وأود أن أعطي الطبيب فرصة لشرح كيفية التعامل مع شيء ولكن معظمهم ليس لديهم إجابات لذلك أقول ما تعلمت وما يمكننا القيام به.و هذا لا يعجبهم. شكرا للدكتور جوجل فالأطباء لم يعودوا آلهة !.
تاشفين جوناراين، درس في جامعة أوراديا
سؤال جيد. نحن الأطباء نكره ذلك ولكن قلة سوف تعترف به. هذا هو السبب في أننا نكره المرضى الذين يبحثون عن أعراضهم: نحن لا نريد قضاء وقتنا الثمين لشرح الأشياء لك لأن عدد قليل جدا منكم يسرون كثيرا من التحدي لنا لدرجة الجدل. نحن لا نتناول السرطان والنوبات القلبية هنا. نحن نتحدث عن الأشياء التي تبدو أقل خطورة مثل لون البلغم.
هناك سوء فهم كبير حول لون البلغم. إذا كان البلغم لديك أصفر أو أخضر، فهذا لا يعني أن لديك عدوى بكتيرية ! اللون يأتي في الواقع من تدمير خلايا الدم البيضاء. وكلما تم تدميرها، وكلما تغير لون من الأبيض إلى الأصفر ثم الأصفر إلى الأخضر.
أنت لا تصبح طبيبا من خلال القراءة على ويكيبيديا. يمكنك أن تصبح كذلك من خلال دراسة لمدة خمسة عشر عاماً , رؤية عدد لا يحصى من المرضى والعمل ساعات لا تعد ولا تحصى. لدينا بروتوكولات للمتابعة ونحن دائما للتحقق من النتائج التي توصلنا إليها، لذا يرجى التحلي بالصبر. قراءة خمس دقائق على ويكيبيديا لا تنقذ الأرواح بقدر ما تفعل خبراتنا. لذا يرجى البحث بقدر ما تريد ولكن أيضا أن تتصرف كبشر لأننا البشر أيضا.
نقطة نظام
آراء متباينة لكن كل منها يحمل الكثير من الوجاهة , ربما لا يحتاج الأمر إلى صدام أكثر منه يحتاج لنقطة نظام فإذا جمعنا و جهات النظر و قمنا بتوفيقها فسوف نحصل على رسالتين مهمتين إحداهما للطبيب و الأخرى للمريض .
ما يحتاج المريض أو من يرافقه إلى معرفته هو أن ليس كل ما يذكر على الإنترنت يمكن اعتباره معلومة طبية فجودة و أهمية المعلومة تقاس بمصدرها و كتبسيط فإن مصدر المعلومة الطبية لابد أن يكون مصدراً علمياً أو يستقي من مصدر علمي , فالأبحاث العلمية لها درجات صحة تقاس بها و لها إجراءات تتطلبها فعلى سبيل قتل خلية سرطانية في أطباق المعامل يختلف عن قتلها في جسد فأر يختلف عن تطبيقها على البشر , هناك مراحل يمر بها البحث ليكتسب موثوقيته فإذا كنت كمريض قادراً و مستعداً لإعطاء الوقت الكافي لتتبع طرقاً سليمة في الحصول على المعلومة فهذا أمر رائع و إلا فدع الأمر للمتخصصين.
أما ما تحتاجه عزيزي الطبيب فهو معرفة أن لا أحد يهتم بمنافستك ! كل ما يريده المريض أو عائلته هو الشفاء و مساعدة أنفسهم و أحبتهم ليحصلوا على التشخيص السليم . لا يحتاج المريض لدراسة 7 أو 10 سنوات ليتعلم الكثير عن مشكلة طبية معينة و محددة بذاتها .
فإذا لم تكن تمنحهم الوقت ليفهموا و إذا لم تكن تمنح نفسك الوقت لتطور نفسك و تحدث معلوماتك فإن العجله ستدور و مع التطور المذهل في أدوات التشخيص ربما يحل الذكاء الإصطناعي محلك و يأتي الوقت الذي تتمنى فيه أن تجد مريضاً يهتم بسؤالك .
عموماً يبقى باب النقاش مفتوحاً و أسعد بسماع جميع الآراء
دمتم بود
كتبه : محمد علي ماهر
https://www.quora.com/What-do-doctors-think-of-patients-who-Google-all-their-symptoms-and-think-they-know-better