كيف تجدد جسدك: الصيام والإلتهام الذاتي.
بقلم الدكتور جاسون فنج
استشاري امراض الكلية. تورنتو. كندا
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
في يوم 3 اكتوبر(تشرين الأول) 2016 منح مجلس نوبل في معهد كارولينسكا جائزة نوبل في الطب أو الفيزيولوجيا للعالم الياباني يوشينوري اوهسومي تقديراً لإكتشافاته آليات الإلتهام الذاتي.
Yoshinori Ohsumi |
ما هو الإلتهام الذاتي؟
تشتق الكلمة من الكلمة اليونانية auto (الذات) و phagein (أكل أو إلتهام) . لذا فإن الكلمة تعني حرفياً إلتهام الذات ( إلتهام الخلايا نفسها ) وهذه أساساً وسيلة الجسم للتخلص من كافة آليات الخلية القديمة والمحطمة (العضيات organelles والبروتينات والأغشية الخلوية) عندما لا يتوافر المزيد من الطاقة للحفاظ عليها.وهي عملية منظمة بعناية من أجل تفسيخ وإعادة تدوير المكونات الخلوية.
يحدث الأمر ذاته في الجسم. تصبح الخلايا هرمة و”خردة”ومن الأفضل برمجتها لتموت بعد انتهاء حياتها النافعة. قد يبدو ذلك وحشياً ولكن تلك هي الحياة. تلك هي عملية الإستماتة حيث يتحتم على الخلايا الموت بعد مرور وقت محدد. ويماثل الأمر إستئجار سيارة . بعد وقت محدد تتخلى عنها سواء عملت أم لا.ثم تحصل على سيارة جديدة ولا تقلق حيال تعطلها في أسوأ الأوقات.
الإلتهام الذاتي- استبدال الأجزاء القديمة من الخلية Autophagy- replacing old parts of the cell.
تحدث ذات العملية على المستوى تحت الخلوي.قد لا تحتاج لإستبدال السيارة برمتها. أحياناً تحتاج لإستبدال البطارية . ترمي القديمة وتحصل على واحدة جديدة.يحدث ذلك في الخلايا. بدلاً من قتل الخلية كلها(الإستماتة) تحتاج فقط لإستبدال بعض أجزاء الخلية.وتلك هي عملية الإلتهام الذاتي.حيث يتم إتلاف العضيات تحت الخلوية وإعادة بناء عضيات جديدة لتحل محلها.
وصف الإلتهام الذاتي لإول مرة عام 1962 عندما لاحظ عندما لاحظ البحاثة زيادة في أعداد اليحلول( وهو الجزء من الخلية الذي يدمر الأشياء) في خلايا الكبد لدى الفئران بعد استهلاك(صب) الجلوكاجون glucagon .
إبتكر العالم الحائز على جائزة نوبل كريستان دو دوف Christian de Duve تعبير الإلتهام الذاتي . لوصف تدمير الأجزاء تحت الخلوية المعطوبة والبروتينات غير المستخدمة . أحد المنظمات الرئيسة للإلتهام الذاتي هو انزيم (الكيناز) وعندما ينشط هذا الإنزيم فإنه يكبح الإلتهام الذاتي وعندما يكون ساكناً يشجع ذلك الإلتهام.
ما الذي ينشط الإلتهام الذاتي؟ What activates autophagy?
يعتبر عوز العناصر الغذائية المنشط الرئيس لعملية الإلتهام الذاتي و يذكر ان الجلوكاجون هو الهرمون المعاكس للأنسولين. ويشبه ذلك اللعبة التي كنا نلعبها ونحن صغار-“اليوم المعاكس”. إذا ارتفع الأنسولين ينخفض الجلوكاجون وإذا هبط الأنسولين يرتفع الجلوكاجون. عندما نأكل يرتفع الأنسولين وينخفض الجلوكاجون وعندما لا نأكل (نصوم) يهبط الأنسولين ويرتفع الجلوكاجون.
وللصيام فوائد تتعدى تحفيز الإلتهام الذاتي فهو يقوم بأمرين مفيدين:ً نتخلص عن طريق الإلتهام الذاتي من كافة بروتيناتنا وقطعنا الخلوية القديمة والمستنفذة.وفي الوقت ذاته يحفز الصيام هرمون النمو الذي يأمر أجسامنا للبدء بإنتاج بعض الأجزاء الخلوية الجديدة الأنيقة . فنحن عملياً نقدم لأجسامنا عملية تجديد كاملة.
نحتاج للتخلص من الأجزاء القديمة قبل وضع قطع جديدة.فكر بإعادة تجديد مطبخك. إذا كان لديك خزائن خضراء قديمة ومهلهلة من موديل 1970 فإنك ستضطر للتخلص منها اولاً قبل تركيب خزائن حديثة. لذا فإن عملية الإتلاف أو الإزالة مهمة مثلها مثل الإبداع وإذا حاولت تركيب خزائن حديثة فوق القديمة فإنها ستكون شديدة البشاعة. لذا يمكن إعتبار الصيام عاكساً لعملية التقدم في السن من خلال التخلص من الخردة الخلوية القديمة واستبدالها بأجزاء جديدة.
عملية شديدة الإنضباط. A highly controlled process.
يعتبر الإلتهام الذاتي عملية شديدة الإنضباط. وإذا حدث سعار أو سار الأمر بلا ضابط فإنه سيكون مهلكاً ولذلك يجب ان يكون مضبوطاً بعناية فائقة.
يكون الإستنفاذ التام للاحماض الأمينية في الخلايا الثديية مؤشر قوي للإلتهام الذاتي ولكن دور الأحماض الأمينية المفردة أكثر تفاوتاً.بينما تتغير مستويات الأحماض الأمينية في البلازما قليلاً.
يعتقد ان اشارات الأحماض الأمينية واشارات هرمون النمو والأنسولين تتقارب في مسار mTOR وتسمى احياناً المنظم الأساس لتأشير الغذيات .ولذلك – و خلال عملية الإلتهام الذاتي – تتفكك المكونات الخلوية القديمة والمستهلكة إلى احماض امينية (وهي وحدات بناء البروتينات ) .
ما الذي يحدث لهذه الأحماض الأمينية؟
في المراحل الأولى من التجويع تبدأ مستويات الأحماض الأمينية بالإرتفاع ويعتقد ان هذه الأحماض الأمينية التي نتجت عن الإلتهام الذاتي تنقل إلى الكبد من أجل تخليق السكر من جديد ويمكن تفكيكها أيضاً إلى جلوكوز عبر دورة الحمض الثلاثي الكربوكسيل TCA tricarboxylic والمصير الثالث للأحماض الأمينية إدماجها في البروتينات الجديدة.
يمكن ملاحظة عواقب تراكم البروتينات القديمة الهرمة في كل مكان في حالتين اساسيتين: مرض الألزهايمر والسرطان.
يشمل الألزهايمر تراكم البروتين غير الطبيعي – إما بروتين تاوTau او بروتين بيتا النشواني amyloid beta والذي يصمغ نظام الدماغ.ومن المنطقي الإعتقاد ان عملية مثل الإلتهام الذاتي والتي تمتلك القدرة على التخلص من البروتينات القديمة قد تمنع تطور مرض الألزهايمر.
ما الذي يثبط الإلتهام الذاتي؟
تناول الطعام. يثبط السكر والأنسولين (والجلوكاجون المنخفض)والبروتينات كلها عملية التنظيف الذاتي تلك.. ولا يتطلب الأمر الكثير. إذ ان كمية صغيرة من الحمض الأميني اللوسين leucine قد توقف الإلتهام الذاتي . لذا فإن عملية الإلتهام الذاتي متفردة بعلاقتها بالصيام. وهو شئ لا تجده في تقييد السعرات الحرارية البسيطة أو في الحميات .
هناك توازن هنا بالطبع. فإن حدوث كثير من الإلتهام الذاتي يضر كما يضر إنخفاض معدلاته والأمر الذي يعيدنا إلى دورة الحياة الطبيعية – إطعام وصوم.وليس الحميات المستمرة. وهذا يسمح بنمو الخلايا خلال فترة الإطعام والتطهير الخلوي خلال الصيام- التوازن. فالحياة كلها تتمحور حول التوازن.
BY: Dr. Jason Fung, M.D. Nephrologist.
October 5, 2016.
Toronto. Canada.
اترك تعليقاً