ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
عندما ننظر للفوائد الغذائية للطعام عادة نفكر أولاً بالفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية التي يحتويها. نفكر بمكونات الطعام التي تغذي الجسد.ولكن الألياف شيء مختلف تماماً. لا تكمن فائدة الألياف في قيمتها كغذاء ولكن كمضاد للغذاء. وإذا كنت تعاني من مرض ناجم عن زياد الطعام كما في السمنة أو داء السكري النوع الثاني عندها تكون مضادات الغذاء خيارات علاجية مفيدة.
تمتلك الألياف بعكس معظم الأطعمة القدرة النادرة على تخفيض الإمتصاص والهضم.فالألياف تطرح ولا تزيد وفي حالة السكاكر والأنسولين فهذا شيء طيب. تخفض الألياف الذوابة إمتصاص الكربوهيدرات والذي يخفض بدوره مستويات سكر وأنسولين الدم .
أعطي مرضى داء السكري من النوع الثاني في إحدى الدراسات وجبات سائلة تحتوي على 55% من الكربوهيدرات مع أو بدون إضافة الألياف الغذائية.
وبما ان الأنسولين هو المسير الأساسي للسمنة وداء السكري فإن تخفيضه أمر طيب وتعمل الألياف بالتالي كنوع من” الترياق” antidote للكربوهيدرات والتي هي في هذه المقاربة” السم”.
فالكربوهيدرات –حتى السكر- ليست عملياً سامة في حدودها الطبيعية ولكن هذه المقارنة تفيد في فهم أثر الألياف.
وليس من قبيل المصادفة ان كافة الأغذية النباتية في حالتها الطبيعية غير المكررة تحتوي على الألياف. فالطبيعة جمعت مسبقاً “الترياق” مع “السم”. ولهذا السبب نجد ان المجتمعات التقليدية تتناول حميات عالية الكربوهيدرات دون أي دليل على وجود السمنة او داء السكري النوع الثاني.
مثلاً يعتمد سكان اوكيناوا في اليابان في نظامهم الغذائي على البطاطا الحلوة ويستهلكون ما يقارب 80% من سعراتهم الحرارية على شكل كربوهيدرات . تحمي نسبة الألياف المرتفعة من السمنة وحتى عهد قريب كان هؤلاء السكان من أطول الشعوب أعماراً على سطح الأرض.
تتبع قبائل الكيتافا في غينيا الجديدة نظاماً غذائياً يحوي 70% كربوهيدرات دون أي تراجع في صحتهم.
والفارق الرئيسي هو عدم تكرير ومعالجة هذه الكربوهيدرات .
تكمن السمية في المعالجة :
تتميز الأنظمة الغذائية الغربية بخاصية متفردة. فكميات الدهن والملح والكربوهيدرات والبروتينات ليست هي ما يميز الطعام الغربي عن الأنظمة الغذائية التقليدية الأخرى في العالم بل مستويات المعالجة والتكرير.
تعج الأسواق الغربية التقليدية بأطعمة شديدة التكرير في صناديق ومعلبات ومجمدات – كربوهيدرات مكررة وأيضاً زيوت وبروتينات مكررة. بينما تمتلئ الأسواق الأسيوية التقليدية عوضاً عن ذلك بالخضار واللحوم الطازجة.
تشتري كثير من المجتمعات الأسيوية الغذاء الطازج كل يوم لذا فإن المعالجة الهادفة لإطالة زمن الحفظ ليست مهمة أو مرغوبة. بينما يشتري سكان امريكا الشمالية البقالة لتكفي أسابيع وأحياناً أشهر في كل مرة.وتعتمد سلسلة متاجر كوستكو مثلاً على ذلك.
أثناء عملية التكرير والتنقية تزال الألياف والدهون . تزال الألياف لتغيير القوام وجعل الطعام ألذ مذاقاً ولكننا نخسر خاصية الإشباع.
عندما تضخم الألياف حجم الأطعمة التي نتناولها تنشط مستقبلات التمدد في المعدة والتي ترسل بدورها إشارة إلى الجسم (عبر العصب المبهم vagus nerve ) للتوقف عن الأكل. عندما تفرط في الأكل على المائدة المفتوحة لا يكون الطعام قد هضم بعد لذا لا يكون لدى جسمك أي فكرة عن كمية السعرات الحرارية التي استهلكتها ولكن معدتك تضخمت كبطيخة ناضجة تشعر بالإمتلاء والغثيان وربما بالمرض قليلاً.
تزال الدهون الطبيعية لإطالة زمن الحفظ لإن الدهون تتزنح مع مرور الوقت.. مثلاً تتم إزالة كافة الألياف والدهون الطبيعية أثناء المعالجة. وهذا يعرضنا لخطر الكربوهيدرات العارية والتي تسبب الإرتفاع اللاحق في مستويات الأنسولين. يستهلك “السم” دون “الترياق” عندما نزيل الأثر الحافظ للألياف والدهون.
وبينما تحتوي الكربوهيدرات الكاملة غير المعالجة دائماً على الألياف فإن الدهون والبروتينات الغذائية لا تحتوي تقريباً على أي ألياف.
تطورت أجسامنا لتهضم هذه الأغذية دون الحاجة للألياف . “فالترياق” ليس لازماً إذا غاب السم. ومرة أخرى أثبتت الطبيعة أنها أكثر حكمة منا.
تحوي الأغذية الطبيعية توازناً بين الألياف والعناصر الغذائية وقد نشأ البشر على إستهلاكها.فالمشكلة لا تكمن في في كل مكون محدد من الغذاء ولكن المطلوب هو التوازن التام.مثلاً لنفترض اننا خبزنا كعكة باستخدام كميات متوازنة من الزبدة والبيض والدقيق والسكر.الآن نقرر إزالة كل الدقيق ومضاعفة كمية البيض عوضاً عن ذلك.سيكون طعم الكعكة سيئاً.
فالبيض ليس سيئاً بحد ذاته وربما لا يكون الدقيق جيداً لوحده ولكننا إفتقدنا التوازن ويسري ذلك أيضاً على الكربوهيدرات.
فالطرد الكامل من الكربوهيدرات غير المكررة مع الألياف والدهون والبروتين والكربوهيدرات ليس سيئاً بالضرورة. ولكن إزالة كل شئ سوى الكربوهيدرات تدمر التوازن وتجعلها شديدة الضرر على الصحة البشرية.
قد تؤدي إزالة البروتين والدهن للإفراط في الإستهلاك.هناك هرمونات شبع طبيعية(البيبتيد pepide yy والكوليسيستوكينين cholecystokinin ) تستجيب للبروتين والدهن.
لا ينشط تناول الكربوهيدرات الصافية هذه الأنظمة ويؤدي لفرط الإستهلاك.مثلاً يلزمنا 4 إلى 5 برتقالات لتحضير كأس من عصير البرتقال. من الصعب تناول 4 إلى 5 برتقالات مع اللب ولكنك تفرط في إستهلاك الكربوهيدرات عندما تشرب ذلك الجزء وتتخلى عن الباقي(الألياف).تلي ذلك مشكلة أخرى إذ تؤدي الكربوهيدرات شبه الصافية إلى زيادة سرعة الهضم مما يرفع بسرعة سكر الدم ومن ثم ترفع بسرعة الأنسولين.
لا تكمن السمية في الغذاء ولكن في المعالجة.
اخفت “القيمة التغذوية للأطعمة المكررة ” –حيث تصنف الأغذية على أساس محتواها من المغذيات الكبيرة- مخاطر التكرير على مدار سنوات عديدة.
اعتبرت الحبوب الكاملة والخضار والسكر متماثلة لإنها صنفت جميعاً ككربوهيدرات , ولكن الكربوهيدرات المكررة وغير المكررة ليست متماثلة على الإطلاق.
الألياف وداء السكري النوع الثاني Fibre and type 2 Diabetes
يتسبب الأنسولين الفائض بأمراض السمنة وداء السكري النوع الثاني.تتطور مقاومة الأنسولين مع الزمن مع دوام ارتفاع الأنسولين.إذا استطاعت الألياف حمايتنا من إرتفاع الأنسولين فإنها ستحمينا من داء السكري النوع الثاني.وهذا بالضبط ما تظهره هذه الدراسة.
راقبت دراستان عن صحة “الممرضات” السجلات الغذائية لالاف النساء على مدى عدة عقود.والنتيجة زيادة خطر داء السكري النوع الثاني مع إرتفاع المؤشر السكري glycemic وهذا غير مفاجئ.
أثبتت هذه الدراسة الأثر الحافظ لإستهلاك ألياف الحبوب . تبين ان النسوة اللائي تناولن حمية مرتفعة المؤشر السكري وكميات كبيرة من ألياف الحبوب كن في حرز من من داء السكري النوع الثاني. وبمعنى ما فإن هذا النظام الغذائي مرتفع “السم” ولكنه أيضاً مرتفع “الترياق” في ذات الوقت , لذا يحيد كل منهما الآخر ولا يوجد تأثير متبقي.
أما النسوة اللائي إتبعن نظاماً غذائياً متدني المؤشر السكري (منخفض “السم”) وألياف قليلة(منخفض “الترياق”)فقد كن في أمان أيضاً. هنا تعادل الطرفان.
ولكن الإندماج القاتل بين حمية مرتفعة المؤشر السكري (“سم” مرتفع) ومستوى منخفض من الألياف (“ترياق” منخفض) يرفع خطر داء السكري النوع الثاني بنسبة مرعبة وصلت إلى 75%.
وهذا هو التأثير الفعلي لمعالجة الكربوهيدرات- رفع المؤشر السكري وتخفيض الألياف.
تمت متابعة دراسة العاملين في الحقل الطبي على أ كثر من 40 ألف رجل على مدار 6 سنوات وحصلت على نتائج مماثلة.فالحمية عالية المؤشر السكري وعالية الألياف لا تفرض أي خطر إضافي لداء السكري النوع الثاني.كما ان الحمية منخفضة المؤشر السكري ومنخفضة الألياف لم تكن ذات خطر.
ولكن الحمية مرتفعة الحمولة السكرية (السم) ومنخفضة الألياف(الترياق)رفعت خطر المرض بنسبة 217%.
أثبتت دراسة مقاومة الأنسولين والتصلب العصيدي ان الألياف عامل مهم ضد مقاومة الأنسولين.
كما أظهرت دراسة صحة النسوة السود ان الحمية مرتفعة المؤشر السكري كانت مرتبطة بزيادة 23% في خطر داء السكري النوع الثاني. وبالمقارنة كان الاستهلاك العالي لألياف الحبوب مقترناً بإنخفاض 18% في خطر داء السكري.
تكمن إحدى الخطوات المهمة لخسارة الوزن في إضافة الألياف . وأفضل من ذلك كله عدم إزالتها في المقام الأول من الأغذية الطبيعية الحاوية عليها.
تنبع السمية من المعالجة.
تحتوي الكربوهيدرات في شكلها الطبيعي الكامل غير المعالج – بإستثاء العسل- دائماً على الألياف. ولهذا تكون الأطعمة السريعة –الخردة- شديدة الضرر. فهي التعبير الحقيقي للأطعمة شديدة التكرير.
تغير معالجة الأغذية – وإضافة المواد الكيماوية – الطعام إلى شكل لم تتطور أجسادنا لإستهلاكه ولهذا السبب نراها مجرد خردة.
الألياف- مضادات الغذاء
بقلم الدكتور جاسون فنج
استشاري أمراض الكلية
تورنتو. كندا
اترك تعليقاً