لا أتحدث هُنّا عما تكتبه، مجرد تحليل “الإعجابات” التي تقوم بعملها وبدون توفّر أي معلومات أخرى عنك كاف لتحديد نوعك وجنسك وميولك السياسية والجنسية. بالمناسبة هذه ليست مُبالغة، وإنما هي دراسة علمية.
الآن الق نظرة على صفحتك الشخصية. أنظر إلى كُل تلك الصور والمنشورات التي تتحدث فيها بالتفصيل عن كُل شيء تفعله، حتى أتفه الأشياء، وحاول أن تتخيل مقدار المعلومات التي توزعّها مجانًا على سُكّان الكوكب.
ولكن ما هو الضرر من ذلك؟
هُناك كتاب صدر حديثًا بعنوان The Black Box Society، أو “مُجتمع الصندوق الأسود”، يعرض الجانب المُظلم لعصر المعلومات، والمُتمثل في الكم الهائل من المعلومات المُتاحة عن الأفراد، والطريقة التي يتم استخدامها بها في اتخاذ القرارات.
في الأصل، الهدف (المُعلن) من جمع المعلومات عن الأفراد هو “الاستهداف التسويقي ضيق النطاق” Microtargeting، والذي يُقصد به جمع ما يكفي من المعلومات عن الأفراد بما يسمح بعرض إعلانات مُخصصة لأهداف تسويقية. هذا هو السبب في أنك إن كُنت مُهتمًا بالسباحة على سبيل المثال فستجد أن مُعظم الإعلانات على جوجل أو فيسبوك أو يوتيوب تأتيك عن موضوعات تتعلق بالسباحة بصفة عامة.
قد لا يبدو أن هُناك أي شيء يدعو للقلق هنا، ولكن هذا في حال أن هذه المعلومات تستخدم فقط من أجل التسويق !.
هُناك صناعة كاملة تُسمى “سمسرة المعلومات” Information Brokering. كما هو واضح من الإسم، هذه الصناعة قائمة على جمع المعلومات وبيعها.
معلومات من؟ معلومات سيادتك. يقوم سماسرة المعلومات ببناء ما يُشبه ملف هويّة رقمي يحتوي على كُل المعلومات الخاصة بك. ليس فقط المعلومات المُباشرة، ولكن كذلك المعلومات التي يتم الحصول عليها من تحليل نشاطاتك، بداية مما تكتبه على مواقع التواصل الإجتماعي، مرورًا بتعاملاتك المالية، وصولًا لنشاطاتك خارج الإنترنت!
لتعلم مدى فداحة الأمر، هُناك شركة تُسمى Acxiom تزعُم أن لديها ملفات معلومات عن 10% من سكان كوكب الأرض، بواقع 1500 معلومة عن كل فرد. المُشكلة أنه بالكاد توجد أي قوانين تُنظّم هذه العملية
من المؤكد أنك سمعت عن أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تتجسس على مُعظم دول العالم، مالا تعرفه (أو رُبما تعرفه وتتجاهله) أن مقدار المعلومات التي تجمعها شركات عملاقة مثل جوجل وفيسبوك، بالإضافة للشركات التي تعمل بشكل مُباشر في سمسرة المعلومات، يساوي أو يتخطى كم المعلومات التي تجمعها وكالة الأمن القومي (لهذا من المنطقي أن تجد في الوثائق السرية التي سربها إدوارد سنودن عن برنامج التجسس الرقمي PRISM التابع لوكالة الأمن القومي أن هذه الشركات قد شاركت فيه بشكل مُباشر. الصورة في الأسفل توضح تاريخ التحاق كُل شركة بالبرنامج.)
بما أن هذه المعلومات تُمثّل حرفيًا “سُمعتك”، من المنطقي أن ترغب كُل القطاعات التي قد تتعامل معك في شراء هذه المعلومات أو جمعها، وذلك لاتخاذ قرارات في أشياء مثل حصولك على وظيفة، أو قرض من البنك، الحصول على تأمين صحي، قبولك في جامعة، أو حتى في دخولك لبلد مُعين. يتم هذا في الغالب عن طريق إدخال معلوماتك تلك إلى خوازميات مُعينة تقوم هي باتخاذ قرار “تصنيفك”.
نقطة خوازميات التصنيف تلك هي مُشكلة أخرى في حد ذاتها، لأنه ليس هُناك طريقة للتأكد من أن هذا التصنيف صحيح أصلًا. ماذا لو أنه قد تم تصنيفك على أنك إرهابي بناءًا على نشاطك على الإنترنت؟ حرفيًا مُستقبلك قد تم تدميرة، ومن الصعب جدًا إصلاح الضرر الناتج عن هذا الأمر.
الخُلاصة:
ما قد تعتبره الآن “ترويح عن النفس”، أو “معلومات غير مُهمة لا ضرر منها”، قد يتحول إلى لعنة ستُطاردك لبقية حياتك، لذا عليك أن تتعامل مع هذا الأمر بجدية مُطلقة.
اترك تعليقاً