هل الكفاءة العلمية تُعد دليلًا على صحة الأفكار والمُعتقدات؟ – محمد حجاج

بروفيسور والتر لوين
بروفيسور والتر لوين

هل الكفاءة العلمية تُعد مقياسًا أخلاقيًا، أو دليلًا على صحة الأفكار والمُعتقدات؟

الكفاءة العلمية ليست على الإطلاق مقياسًا أخلاقيًا، وليست دليلًا على صحة الأفكار والمعتقدات. هذه نقرة وهذه نقرة.

القيم الأخلاقية، وصحة المُعتقد الديني (أو النظرة الفلسفية للحياة عامًة) يرتبطان بصورة رئيسية بطبيعة “النفس”، والتي تختلف عن طبيعة العقل. في حين أن اهتمام عالم النفس يدور حول الأسئلة الكُليّة المُجردة، فإن اهتمام عالم العقل يدور حول الأسئلة التفصيلية المادية التي ترتبط بصورة مُباشرة بتجربتنا البشرية.

هذا يعني أنك قد تمتلك عقلُا رائعًا يُجيب بصورة غير مسبُوقة على أسئلة علمية شديدة الصعوبة، وفي نفس الوقت تمتلك نفسًا خبيثة تعتنق أفكارًا فاسدة، أو لديك فطرة مُشوهّة لا تعترف بأي مُثُل أخلاقية. ما يُحدث هو أنك تستخدم (أو بعبارة أدق، تسيء استخدام) “سُلطة العلم” التي تمتلكها للترويج لأفكارك.

Advertisements

أريد أن أتحدث عن فكرة “سُلطة العلم” تحديدًا.
في كُل مرحلة من التاريخ البشري ستجد أن هُناك ما يُمكنك تسميته “روح العصر”؛ تلك السمّة العامة التي تُسيطر على نظرة البشر للحياة وطريقة فهمهم لها في تلك المرحلة الزمنية. في وقتنا الحالي روح العصر هي “العلم”، في فترة سابقة كانت الفلسفة، وهكذا.
أولئك من يُجيدون التعامل مع روح العصر في أي فترة زمنية (العلماء في وقتنا الحالي) سيتحولون تلقائيًا إلى قادة وقُدوات في نظر الناس، وسيمتلكون “سُلطة” شبه مُطلقة على طريقة تفكيرهم، وهُنا هو حيث يحدث سوء استخدام هذه السُلطة.

ولماذا وُجدت هذه السُلطة من البداية؟

لأننا كائنات مُبالغة بالفطرة. نحنُ نميل للتعميم والخلط لأننا نكسل عن التفكير. نحن نميل لتنزيه من نُعجب بجانب منه عن أي خطأ لدرجة التقديس، لذا ليس لدينا أدنى أي مُشكلة في تعميم جانبه الوحيد ذاك على كامل كينونته، فيصير في أعيننا إلهًا لا ينطُق إلا عن الحقيقة المُطلقة التي نقبلها دون نقاش.

لو لم تكُن النفس مُنفصلة عن العقل في الحكم والفعل، لما وجدت أن مُسلمًا ومسيحيًا وبوذيُا وملحدًا يعملون على حل نفس المُشكلة العلمية، أليس كذلك؟ في حين أن طُرقهم قد تقاطعت في العمل على التفاصيل (كيفية القيام بالعلم)، فلكل منهم طريق مُختلف كُليًا فيما يتعلق “بالصورة الكبيرة” التي ترسم فلسفة الشخص ونظرته للحياة والحقيقة، بالإضافة إلى أنها تحتوي على “دوافعه” للقيام بتلك التفاصيل.

Advertisements

وهُنا يأتي سؤال مُهم: إن كان لكل من عالم النفس بفلسفته وعالم العقل بتجريبيته مسائل مُختلفة، فهل هذا يعني أنهما مُنفصلان؟ هل هذا يعني أن الدين مُنفصل عن العلم؟

الإجابة هي لا ونعم. في حين أن اختصاصاتهما مُختلفة -وبالتالي لا يُمكن تطبيق قواعد أحدهما على الآخر- فإن بينها مناطق تقاطع.

ما أقصده هُنا أنه بالإضافة إلى أن مُعتقدك يرسم لك صُورة كلية عن الوجود الذي يفوق حدود إدراكك البشري التجريبي ويضع لك قواعدًا لتحيا بصورة صحيحة (وفقًا له)، هو كذلك يرسم الخطوط العريضة -خطوط وليست “قيود”- والتي يتحرك على أساسها عقلك. هذه النُقطة تحديدًا هي السبب في أنه من الصعب القول بأن العلم حيادي وموضوعي بنسبة 100%، ذلك لأن هُناك من سيستخدم الأسلوب العلمي في وضع نظريات تُفسر الكون وفقًا لفلسفته الفكرية، والأمثلة على ذلك كثيرة.

فضيحة والتر لوين

إن سمعت بالفيزياء فلابد أنك تعرف من هو والتر لوين. نعم، هو ذلك الأسطورة الذي درّس الفيزياء في MIT لأكثر من 40 عامًا، ومُحاضراته “كانت” من أفضل المُقدمات لهذا العلم على الإطلاق وذلك بسبب أسلوبه المُميز في الشرح.

Advertisements

في ديسمبر الماضي، قطعت MIT علاقتها بالكامل مع والتر لوين، حيث قامت بحذف كامل محاضراته الشهيرة للفيزياء من على منصتها MIT OCW، وقامت بإلغاء كورس الـ MOOC الخاص به من على منصة edX، كما تم تجريده من لقب “بروفيسور سابق” بـ MIT. الأمر يُشبه محو كامل تاريخه بجرّة قلم.

في الحقيقة السبب في هذه العُقوبات يُعد أسوأ من كافة العُقوبات، وخاصة لشخص في عُمر لوين (78 عامًا): تحرُّش جنسي عبر الإنترنت.

بداية الواقعة كانت العام الماضي، عندما التحقت إحدى الطالبات، فايزة حربي – 32 عامًا تعمل كمُدرسة لُغة إنجليزية بفرنسا، بكورس لوين على edX. من أجل التواصل مع المُتعلمين قامت بإنشاء مجموعة على فيسبوك، وجاءها طلب للانضمام من حساب يحمل اسم وصورة لوين، فقبلته ظنّا منها أنه قطعًا ليس لوين نفسه. بعد دقائق وصلها إيميل بتقرير عن مدى آدائها في الكورس، وهو غير متوفر إلا للطالب والقائمين على الكورس فقط. لقد كان هو لوين نفسه!

Advertisements

ما حدث بعد ذلك هو نفس السيناريو الذي تتوقعه من أي شاب أحمق في العشرينيات يحاول أن يوقع بفريسة، وليس من كهل على أعتاب الثمانين: أخبرت الطالبة لوين أنه من الصعب عليها التركيز لأنها تتعاطى أدوية للاكتئاب والعصبية، فأخبرها لوين أنه سيساعدها على استعادة ثقتها بنفسها. بدأت المُحادثات تحتوي على لُغة غير لائقة، ثم تطور الأمر بسرعة إلى النُقطة التي خضعت فيها لرغبته بإرسال صور وفيديو لنفسها في أوضاع مُخلّة.

خلال فترة عام كامل، وبمُساعدة من مُحققي MIT، اتضح أن هذه الطالبة ليست هي الضحية الوحيدة للوين، وتم تجميع كُل الأدلة التي تدينه بما حسم قرار MIT في الإعلان بصورة نهائية أن لوين مُذنب بالتحرش الجنسي ومُخالفة سياسات MIT، وبالتالي استحق العقوبات الشديدة التي وقعت عليه.

بعيدًا عن أن مُلابسات هذه القضية تُعد غير مسبوقة من الناحية القانونية، فلقد أعادت تسليط الضوء مرة أُخرى على المُمارسات المُشابهة التي يقوم بها “نجوم” مثل لوين في الحرم الجامعي (وفي أماكن مثل MIT) سواء مع الطلبة أو حتى زملاء عمل، وكيف أنهم يفلتون لأنهم .. نجوم! 

Advertisements
هذا المقال يتحدث بالتفصيل عن الأمر: https://goo.gl/5VjMJI

الخلاصة:

– العلم، الأخلاق، المُعتقدات ثلاثة جوانب مُتكاملة ولكنها “مُختلفة”، وبالتالي لا يُمكنك الحُكم على أحدها بالنظر للآخر فقط. هُناك من يعلم كيف يستغل “العلم” في الحصول على مصداقية مُزيّفة لأفكاره أو مبادئه الأخلاقية (أو رُبما ليُفلت بأفعاله اللا أخلاقية!)

أرجو أن يكون ما أردت توصيله واضحًا. في المرة القادمة التي تُمجّد فيه ستيفن هوكينج تذكّر أن مقدرته العلمية ليس لها أدنى علاقة بإلحاده، كما أن علاقات أينشتاين النسائية الستة لم تكن السبب في وصوله للنسبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 3 =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.