صدمنا البارحة بالعملية الإرهابية البشعة التي حدثت في نيوزيلندا ، لن أتحدث عن الجريمة نفسها أو ما حدث فيها فقد غطتها العديد من وسائل الإعلام بتفاصيلها الدقيقة لكن لي بضع ملاحظات حول هذا الموضوع . و هي كيفية التعامل مع الحدث . فكما جرت العادة سنبكي لمدة 48 ساعة ، نشجب، نستنكر ، ندين ، ثم يذهب الأمر في طي النسيان.
كشعوب عربية وإسلامية ، نحن نعتمد آلية تعامل عاطفية صرفة لا تقيم معوجاً و لا تصلح حالاً ، حلقة جهنمية من العويل و استدرار العطف لم تؤت ثمارها يوماً . والأمر لا يحتاج لكثير من الذكاء فصناع القرار في الغرب ببساطة لا يقيمون وزناً سوى لقوة تأثيرك في الصناديق والتي وكما هو واضح تكاد تكون منعدمة ، هذا هو سر صعود اليمين المتطرف بسرعة الصاروخ .
1. سفينة نوح
هل الغرب سفينة نوح إذا ركبتها صرت في أمان ؟
للأسف هذا منطق الكثير من المهاجرين الذين لا يطمحون سوى للهجرة فقط ، و كي يضمنوا عدم وجود منغصات فإنهم يلتزمون السير على هامش الطريق – كما اعتادوا في أوطانهم – معتمدين و مطمئنين لوجود قوانين و مشرعين يقومون بأدوار السياسة نيابة عنهم لكن الحقيقة لا أحد ينوب عنك إذا فرطت في حقك في الإختيار!
اليوم ومع صعود التيارات الشعبوية مقابل عدم وجود كتلة مؤثرة لمجابهة التحدي ، أصبح العرب والمسلمون فريسة سهلة لأصحاب الطموح السياسي الجامح ، هؤلاء لا يملكون برامج سياسية حقيقية وبالتالي يحتاجون إلى فزاعة من القش ، مخيفة من ناحية المظهر لكنها في الوقت ذاته هشة لن تؤذيهم و لن تجرح موقفهم الإنتخابي .
أعتقد أن مقارنة تكتل العرب أو المسلمين بتكتل مثل منظمة إيباك الصهيونية التي يتودد إليها الجميع يظهر مدى الحالة المزرية للجاليات العربية . لا تحدثني عن قوة المال أو قدم هذا اللوبي أو رسوخه ، فالصوت الإنتخابي يبقى صوتاً في النهاية ولديكم الكثير من الأصوات المبعثرة … أليس كذلك !
2. كرة الثلج
يبدأ الأمر بتلميحات عنصرية لا تجد ما يوقفها …
تتحول التلميحات إلى تعليقات عنصرية واضحة …
ثم تتحول التعليقات العنصرية الواضحة إلى تهديدات عنصرية صارخة …
ثم هذا … !
هل رأيتم كرة ثلج تتشكل ؟ تبدأ صغيرة تافهة وبينما تتدحرج على التلة دون عائق يكبر حجمها أكثر فأكثر حتى يصبح بإمكانها دهس شخص أو إلقاء شخص غافل من فوق منحدر وقتله . إذا لم توقف كرة الثلج في الوقت المناسب فستتحول التحرشات إلى حوادث قتل ثم تتحول حوادث القتل إلى مجازر ثم تتحول المجازر إلى هولوكوست شامل .
3. شبكات اجتماعية أم أندية عنصرية !
بالتأكيد لاحظتم التعليقات الشنيعة على الشبكات الإجتماعية ضد الضحايا و ضد المسلمين بصفة عامة و التي ترقى لحد الجرائم العنصرية إذا لم تكونوا قد لاحظتم ذلك إليكم عينة سريعة .
إذاً الحادث لم يكن فردياً بل يدعمه طيف واسع من المتطرفين لاسيما اليمين الأوروبي المتطرف فماذا فعلت المنظمات الإسلامية ؟
- هل طالبتم فيسبوك و أمثاله بالتوقف عن دعم الإسلاموفوبيا أو دعوة المسلمين لإتخاذ موقف حازم بشأنه و غلق حساباتهم . إنه شركة لها أسهم في البورصة أليس كذلك !
- هل فكرتم في تحميل اليمين المتطرف المسؤولية وطالبتم بمحاسبته ؟
- هل ذهبتم إلى المحكمة ضد هؤلاء أو هؤلاء ؟
- هل طالبتم بحماية المسلمين بقوة القانون “مثل اليهود” من الإسلاموفوبيا والمتطرفين لحسن الحظ أننا ساميون أيضاً فيمكن لقانون معاداة السامية اللطيف أن يشمل المسلمين دون أي تعديل … صححوا لي إن كنت مخطئاً ؟!
لكن و بدلاً من فعل أشياء عملية كتلك ماذا فعلنا ؟ كالعادة مؤتمر صحفي و تغني بـ المعتدلين والمساندين بالدموع والشموع (مع حبنا و احترامنا بالطبع لكل من هو معتدل) .
أضف لهذا التقدم بأسمى آيات العرفان لمن وافقوا وتعاطفوا و تعطفوا و أسمو الحادث ” إرهابي ” … بإعتباره مكسب رمزي ، لكن هل هذا كاف لحقن الدماء في المستقبل .. أشك في ذلك .
4. تهديدات لطيفة
أذكر أنني ذات مرة شاهدت فيديو أطار صوابي على فيسبوك لتجمع يخص جامعة غربية كان مديرها يحث الطلاب على حمل السلاح ضد المسلمين ! تحدثت مع صديق يعيش في أمريكا و أخبرته بالأمر وأنا أسأله عم حل بهذا الرجل فرد في هدوء أزعجني … لاشيء .. دعك منه .. دعه يتحدث ! طار صوابي و أنا أحاول إقناعه بأنه يجب أن يتخذ المسلمون هناك إجراءات قانونية تجاه هذه الحقارة وإلا صار الأمر معتاداً ، بل ربما يضع أحد التلاميذ الأمر في حيز التنفيذ .
ماذا لو كان قاتل اليوم هو أحد طلاب هذه الجامعة … هل يكون على من صمتوا عن الجريمة في مهدها كفل من الدم … لا أدري … و لا أفهم ما سر هذا الانغماس الرهيب في اللافعل إذا كنت قادراً على الفعل و لا يوجد ما يمنعك … إذا كان لديك تفسير فضلاً أخبرني !
5. مؤسسات إسلامية تعشش عليها العناكب !
منذ أيام شاهدت فيلماً تسجيلياً يسمى Generation Hate أو جيل الكراهية ، يتحدث الفيلم عن اختراق مغامرة صحفية اخترقت أشهر أحزاب يميني متطرف في فرنسا ، كشف الفيلم عن جناح سري لها يقوم بعمليات عنف ضد المهاجرين مع الكثير من التفاصيل التي يفترض أن ترسل بالكثير من زعماء هذا التشكيل العصابي المسمى حزب خلف القضبان لفترة طويلة ، أظهر الفيديو تخطيط لعمليات إرهابية ضد المسلمين ووصل الأمر إلى التخطيط لإشعال حرب أهلية في أوربا ضدهم بغرض التخلص منهم نهائياً .
و رغم كل هذه الإنتهاكات الصارخة لم يتحرك أحد بالطرق القانونية لفعل أي شيء ، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول المؤسسات الإسلامية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق المسلمين فلا أعتقد أنها تقوم بدورها !
لماذا لا توجد مراصد للتصرفات العنصرية تذهب إلى المحكمة لمقاضاة هؤلاء أو إلى الساسة لمطالبتهم بالتحرك أو إلى الإعلام لفضح هذه القذارة … لا أدري !
لماذا لا يفكر المسلمون في الغرب في إنشاء كيانات مؤسسية قوية مستقلة ، ما الذي تفتقرون إليه تحديداً … القوانين … المال … المتطوعين … المحامين ! ماذا ينقصكم تحديداً حتى تدافعوا عن أنفسكم و تكفوا عن النظر تحت أقدامكم .
إذا كان لديكم مثل هذه المؤسسات … فربما لدي لكم أخبار سيئة … إنها لاتعمل … ربما تحتاجون لسلة قمامة أكبر وبداية جديدة !
و حتى ذلك الحين أترككم مع هذا الفيديو حول كيفية حماية انفسكم من مثل هذا الموقف العصيب