في فلسطين وبعد أن اقتحمت المقاومة الفلسطينية غلاف غزة خلال عمليتها العسكرية الأخيرة، نشرت وسائل إعلام تابعة للاحتلال الصهيوني والعديد من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية حملة البروباغندا ضخمة، شملت تلك الحملة روايات مضللة وكاذبة بشكل فج وصريح .
وصل الأمر لأن يكذب رئيس أكبر دولة في العالم على الهواء مباشرة ويدعي أنه شاهد صور لأطفال إسرائيليين مقطوعي الرؤوس قبل أن يتراجع البيت الأبيض في تصريح خافت بأن الرئيس استقى معلوماته من مصادر إعلامية اسرائيلية!
مثل هذا التصريح وغيره من الدعايات الكاذبة كان له أكبر الأثر في تهيئة كثيرين في هذه الدول لتقبل التحول من سياسات الاحتلال والفصل العنصري ضد غزة إلي الإبادة الجماعية للأطفال والنساء والشيوخ. بل حتى الصحفيون والمسعفون طالهم القصف المتعمد دون أن يسمع سوى ردود خافتة من بعض المنظمات، كما قصفت المنشآت الطبية والمدارس والمساجد والجامعات والمنازل على رؤوس ساكنيها وأصبح لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الظالمة.
وبعد قطع الماء والغذاء والوقود يستعد الكيان الصهيوني الآن لقطع الانترنت عن غزة لارتكاب جريمة إبادة جماعية أو تطهير عرقي لسكان غزة من خلال القتل والتهجير الشامل لكل سكان القطاع.
ولكي يكون لك دول في منع حدوث هذه الجريمة لابد أن تفهم أولاً طبيعة تلك الدعاية السوداء وأساليب مواجهتها شعبياً بعيداً عن النظم والحكومات التي يمسك بخيوطها آخرون ولن تحرك ساكناً أمام تلك الإبادة.
نتناول في هذا المقال طبيعة البروباغندا ودورها في التحريض على أعمال الإبادة الجماعية، والاستراتيجيات العملية لمواجهتها .
البروباغندا ونشر المعلومات المضللة:
البروباغندا (أو البروباجندا ، وبالإنجليزية Propaganda) هي النشر المتعمد لمعلومات مضللة أو متحيزة، بهدف تشكيل الرأي العام وسلوك الجماهير. تفترس البروباغندا عواطف الناس، وتستغل الانقسامات القائمة، وتتلاعب بتصوراتهم لخدمة أجندات سياسية أو عرقية أو أيديولوجية محددة. يستخدم المروجون لهذه الدعايات تقنيات مختلفة، بما في ذلك التضليل الإعلامي، وشيطنة المجموعات المستهدفة، والتجريد من الإنسانية، وخلق خطاب يبرر العنف والجريمة للوصول إلى أهدافهم.
لقد استُخدمت البروباغندا أو الدعاية الكاذبة، كأداة قوية في أيدي أصحاب النوايا الخبيثة، تاريخياً لتأجيج الكراهية، والتحريض على العنف ضد الأبرياء، وإرساء الأساس الداعم لارتكاب جرائم لإبادة الجماعية والتطهير العرقي. إن إدراك مخاطر تلك الدعاية السوداء وفهم كيفية مواجهتها ومنعها أمر بالغ الأهمية لحماية المجتمعات والمدنيين الضعفاء من التعرض للقتل.
كيف يتم تغذية بروباغندا الإبادة الجماعية:
- الشيطنة ونزع صفة الإنسانية عن المجموعات المستهدفة: غالبًا ما تقوم حملات الدعاية الكاذبة بتجريد المجموعات المستهدفة من إنسانيتها و”إضفاء طابع آخر عليها”، وتصويرها على أنها دون البشر أو خطرة أو تهديد كأن يوصف أفرادها بأنهم وحوش أو حيوانات أو صراصير أو غير ذلك. تعمل هذه العملية على تعزيز بيئة يصبح فيها العنف ضد المجموعة المجردة من إنسانيتها أكثر قبولاً.
- الروايات الكاذبة: تخلق الدعاية الكاذبة روايات مشوهة تشوه سمعة المجموعات المستهدفة، وتعرضها كأعداء أو كباش فداء مع تحميلهم المسئولية عن مشاكل مجتمعية معينة. تتلاعب هذه الروايات بالرأي العام، مما يعزز الشعور بالتهديد الجماعي والحاجة الملحوظة إلى اتخاذ إجراءات جذرية للتخلص من تلك المجموعة.
- التلاعب بالمظالم: تستغل البروباجندا المظالم المجتمعية القائمة، سواء كانت حقيقية أو متصورة، وتضخمها لتأجيج الغضب والاستياء والرغبة في الانتقام. فهو يستغل الصراعات التاريخية أو المستمرة لاستقطاب المجتمعات والتحريض على العنف.
أساليب مواجهة البروباغندا ومنعها:
1. محو الأمية الإعلامية:
تعزيز تعليم محو الأمية الإعلامية لمساعدة الأفراد على التحليل النقدي لمصادر المعلومات، وتحديد المعلومات الخاطئة، والتعرف على تقنيات الدعاية. إن تمكين الناس من التفكير النقدي هو دفاع قوي ضد قبول الروايات المتلاعب بها.
2. تدقيق الحقائق :
تشجيع المنظمات والمبادرات المستقلة لتدقيق الحقائق لفضح المعلومات الكاذبة ومكافحة الدعاية الكاذبة. تعزيز استخدام المصادر الموثوقة، وتوفير منصات يمكن الوصول إليها لفحص وتدقيق الحقائق. توجد بالفعل بعض المنصات القائمة التي يمكنك متابعتها وإعادة نشر ما تقدمه من معلومات مثل منصة إيكاد على سبيل المثال.
3. إبراز الروايات البديلة الصادقة:
تطوير وتضخيم الروايات البديلة التي تتحدى روايات الدعاية الكاذبة. تسليط الضوء على قصص التعاطف والتعاون والإنسانية المشتركة لمواجهة أساليب التجريد من الإنسانية التي يستخدمها المضللون.
4. إشراك قادة المجتمع:
لابد من دعوة قادة المجتمع والشخصيات الدينية والأفراد المؤثرون لمواجهة الدعايات الكاذبة وتعزيز رسائل التسامح والشمولية والسلام. عادة يكون لأصوات هؤلاء وزن كبير في تشكيل الرأي العام.
5. دعم وسائل الإعلام المستقلة:
تعزيز ودعم وسائل الإعلام المستقلة التي تدعم النزاهة الصحفية وتقدم تقارير غير متحيزة وقائمة على الحقائق. تعمل وسائل الإعلام المستقلة كقوة مضادة حيوية للدعاية المضللة، حيث تقدم وجهات نظر بديلة وتخضع مروجي الدعايات الكاذبة للمساءلة من قبل الجمهور وتجردهم من المصداقية.
6. مراصد للإنذار المبكر:
حينما نكون رد فعل ربما لا يسعفنا الوقت لإيقاف الأكاذيب في مهدها قبل أن تنمو وتنتشر ، تطوير وتعزيز الرصد والإنذار المبكر لمجابهة خطابات الكراهية والتحريض والدعاية المضللة. ويمكن لهذه الأنظمة أن تساعد في تحديد التهديدات الناشئة والاستجابة لها، مما يتيح التدخل السريع لمنع التصعيد.
7. اتباع المسارات القانونية للمساءلة الدولية:
الدعوة إلى الآليات الدولية والأطر القانونية التي تحاسب مروجي الدعايات الكاذبة والمحرضين ومرتكبي الجرائم على أفعالهم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
يمكنك عزيزي القارئ التعامل مع هذه القائمة باعتبارها قائمة مهام يمكنك استخدامها لمواجهة طوفان البروباغندا الصهيونية ومساعدة المحاصرين في غزة.
خاتمة:
تتطلب مكافحة البروباغندا التي تحرض على الإبادة الجماعية نهجا متعدد الأوجه، بما في ذلك محو الأمية الإعلامية، والتحقق من الحقائق، والروايات البديلة، والمشاركة المجتمعية، والتعاون الدولي، والمساءلة. ومن خلال مكافحة الدعايات الكاذبة بشكل عملي.