ما رأيناه ونراه في غـ.زة يفطر القلب ويذيبه كمداً قد فتح أعيننا على الكثير من الأمور، حتى إن المرء ليتسائل كيف خدعنا هؤلاء طوال تلك الفترة الماضية بشعاراتهم الجوفاء
- كيف تظاهروا بالإنسانية وهم أبعد ما يكون عنها ؟
- كيف اتهمونا وأقنعونا بأننا الأشرار في القصة حتى شككنا في أنفسنا ؟
- كيف اتهمونا واتهموا ديننا بينما نصوصهم تحث صراحة على أبشع أنواع العنف ضد من لا حول لهم ولا قوة من نساء وأطفال وضعفاء؟
صحيح أن الشعوب قد تختلف جزئياً عن قادتها إلا أننا نتحدث عن هنا عن تأثير الإمبريالية الغربية التي تحكم وتمسك بزمام الأمور في العالم وليس الشعوب عديمة الحيلة.
ضوء الغاز “Gaslighting”
ربما يكمن السر في التلاعب العقلي والنفسي والذي تجسد في مفهوم شهير للغاية عند الغرب وهو “ضوء الغاز” أو ما يعرف بالإنجليزية “Gaslighting” قد تبدو التسمية غريبة نوعاً ما . تمت صياغة مصطلح “ضوء الغاز” من مسرحية بريطانية عام 1938 تسمى ضوء الغاز، حيث يتلاعب زوج بزوجته لجعلها تعتقد أنها مجنونة عن طريق تغيير شدة أضواء الغاز في منزلهم بشكل خبيث عندما تُترك بمفردها. يفعل ذلك في محاولة لجعلها تعتقد أنها لا تستطيع الوثوق بنفسها أو بذاكرتها.
وفقاً للتعريف النفسي يحاول المتلاعب (Gaslighter) جعل الضحية تشك في واقعها أو ذاكرتها أو إدراكها. الهدف من هذا التلاعب هو السيطرة على الضحية وجعلها تشعر بالضعف وعدم الثقة بالنفس. يحدث ذلك عن طريق إنكار الوقائع، الكذب بشكل مستمر، تشويه الحقائق، واستخدام تكتيكات مختلفة لجعل الضحية تشعر بالارتباك والشك.
تشمل العلامات التي تدل على أنك قد تكون ضحية لضوء الغاز:
- شعور مستمر بالارتباك.
- جعلك تشك في نفسك وفي ذاكرتك.
- شعور بالضعف وفقدان الثقة بالنفس.
- شعور دائم بالرغبة في الاعتذار.
- تبرير سلوك الشخص الآخر أمام الآخرين وأمام نفسك.
- شعور بالعزلة والانسحاب من الأصدقاء والعائلة.
هذا الأسلوب يمكن أن يستخدم في العلاقات الشخصية (مثل العلاقات الزوجية) أو في بيئات العمل أو في أي سياق حيث يمكن لشخص أو كيان ما أن يحاول التلاعب بآخر لتحقيق السيطرة.
والآن هل بدأت تلتقط شيء ما ؟ تعالى معي نراجع العلامات والأعراض:-
متخلفون
لطالما أشعرونا بأننا أقل تحضراً منهم على الرغم من أن الوقائع التاريخية التي سبقت حقبة الإمبريالية الغربية تقول وبكل صراحة أن أغلب علومهم استمدوها من علوم العرب والمسلمين في عصر العلوم الذهبي. أفقدنا هذا الكثير من الثقة في أنفسنا وفي قدرتنا على التقدم بمجتمعاتنا.
إرهابيون :
أقنعونا بأننا عنيفين وبرابره على الرغم بأن حقبتهم الاستعمارية حفلت بأبشع الجرائم التي يشيب لهولها الولدان كالحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واستعباد الأفارقة وجرائمهم في الجزائر والمغرب والكونغو وغيرها بل إن حاضرهم يعج بأمثلة الوحشية والهمجية مثل مذابح البوسنه و سجن أبوغريب و جوانتانامو وغيرها. بينما لا تكاد تجد جرائم مماثلة في تاريخ المسلمين الممتد لمئات السنين .
ومن أشد دركات الوقاحة هي اتهام دين المسلمين بأنه دين عنف وإرهاب مع لي لأعناق النصوص لإخراجها عن سياقها وواقعها على الرغم من أنهم ربما الوحيدون على كوكب الأرض الذين يحض كتابهم الذي يعتنقونه (ولو ظاهرياً) على قتل الأبرياء صراحة بما في ذلك الأطفال والنساء بل وحتى الأجنة في بطون أمهاتها !
مدانون
هل تذكر ذلك المذيع الغربي بيرس مورجان الذي كان دائماً ما يبدأ مقابلاته مع أي شخصية عربية أو مسلمة أو مؤيدة للكفاح الفلسطيني بطلب إدانة مباشرة للمقاومة ويضغط بشدة لتأكيد هذا المفهوم ؟
حرص الغرب والإعلام الغربي تحديداً على مدى عشرات السنوات على إشعار المسلمين بأنهم يتوجب عليهم الاعتذار عن كل عمل وإن كان رد فعل على جريمة استعمارية.
على مدى سنوات استسلمنا لهذا الابتزاز حتى صرنا نضع أيدينا على قلوبنا مع كل حدث أو جريمة تحدث في الغرب متمنين ألا يكون القائم بها مسلم الهوية! يحدث هذا بينما نبرر للغربيين جرائمهم في حقنا بحجة أننا قد استفززناهم أو أنها جريمة عادية إلى آخر تلك المبررات السخيفة.
العزلة والانسحاب:
بسبب ما سبق أصبحنا منعزلين عن بعضنا البعض ، يسعى كل منا لنفي التهم عن نفسه أو الإشارة بأصابع الاتهام لإخوته حتى صرنا كجزر منعزلة يسهل التلاعب بها بل والقضاء عليها.
المسلمون في الغرب أيضاً ابتعدوا عن المشاركة السياسية في البلدان التي يعيشون فيها وانشغلوا بأقواتهم أملاً في أن يتوقف الجميع عن ملاحقتهم والإشارة لهم بأصابع الاتهام لكن الحقيقة إن ما حدث هو العكس تماماً ، فبسبب افتقارهم للقوة والنفوذ صاروا بلا وزن وعرضة للهجوم العنصري بكافة أشكاله.
في النهاية علينا أن نراجع أنفسنا ونثق بأنفسنا وواقعنا ونعتز بديننا وقيمنا ونتعلم المزيد عنها وعن الآخرين، وأن نتوقف عن اتهام أنفسنا لإرضاء المتهمين الحقيقيين وأن نسعى بكل جهدنا لنتجاوز تلك الحواجز النفسية وننهض كأمة واحدة مجدداً.