“هل تُريد أن تتعلم لُغة كذا في أقصر وقت؟ هل مللت من حفظ الكلمات ودراسة القواعد من الكُتُب؟ الق بكُل هذا في الجحيم وتعال معنا نُعلّمك بالطريقة الجديدة السهلة المُسلية. معنا ستتعلم لغة الشارع الحقيقية.”
هذا هو مُلخص إعلانات 99% من الأماكن التي “تزعم” أنها تُقوم بتدريس اللُغات في الوقت الحالي، والغريب أن تجد من يستجيب لمثل هذا الهراء.
ما فائدة القواعد؟ ما فائدة حفظ الكلمات؟
أسئلة بديهية يُمكنها أن تُوفر عليك الكثير من الوقت في تحديد أين عليك أن تذهب لتتعلم، لأنك ستعلم حينها من سيأخذ أموالك ليُعلمك بالفعل، ومن سيأخذها لتحظى عنده ببعض “التسلية”.
في كُل مرة أتحدث عن اللُغات أذكر الأمر من ناحية المهارات اللُغوية الأربعة (قراءة، كتابة، استماع، تحدث)، ولكن هذه المرة سأتحدث من منظور آخر أكثر شمولية.
ما هي اللُغة؟
هي طريقة تفكير تحكمها قواعد تُحدد كيف يُمكن التعبير عن الأفكار باستخدام مُفردات مُعينة.
اللُغات بذلك تُشبه أي تخصص جامعي وإن كانت تعمل على نطاق أعم. تعرف تلك النكات التي تتحدث عن ردود أفعال أصحاب المهن المُختلفة (مثلُا فيزيائي ومُهندس ورياضياتي) إزاء مواقف مُعينة؟ في الحقيقة هذه النكات مثالية لشرح كيف تعمل اللُغات. كما أن لكل من الفيزيائي والرياضياتي والمُهندس طريقة تفكير مُختلفة حيال نفس الشيء، فلكل لُغة منطق مُختلف للتعبير عن نفس الشيء. كما أن لكل منهم “قاموس مُفردات” مُختلف يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطريقة تفكيرهم، لكُل لُغة كلمات مُختلفة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنطق الخاص بها.
الآن عُد للتعريف الذي ذكرته مُنذ قليل عن اللُغة.
“طريقة التفكير” هي القواعد اللغوية، وهي لن تتنزل عليك من السماء. هي شيء لابُد من أن تبذل الوقت والجُهد من أجل تعلمه -والأهم من أجل “فهمه”- ولا تُوجد أي وسيلة لتجنب الأمر. في الحقيقة مُحاولة تجنبه غير منطقية أصلًا. القواعد اللغوية هي الاطار الذي يحمل كُل شيء بداخله، ولذلك بدونها فليست هُناك لُغة من الأساس. أتعلم ما الذي يُشبهه الأمر عندما يُخبرك أحدهم أن بإمكانك تعلُّم لُغة بدون دراسة القواعد؟ هو حرفيًا يُخبرك أن بإمكانك أن تبني قلعة في الهواء، وأنت تُصدقه.
ولكن القواعد اللغوية وحدها لا تكفي. تعلّم طريقة التفكير بدون القُدرة على التعبير عن الأفكار ليس كافيا للقيام بأي شيء مفيد، وهُنا تأتي الكلمات. الكلمات هي حاويات الأفكار، وهي اللبنات التي يرتفع بها البناء. ما يُمكنك التعبير عنه وما يُمكنك فهمه بلُغة ما يرتبط حصرًا بعدد الكلمات التي تعرفها، ولهذا لا مفر من تعلم وحفظ الكلمات. أتعلم ما الذي يُشبهه الأمر عندما يُخبرك أحدهم أن بإمكانك تعلم لُغة بدون الحاجة لدراسة القواعد أو حفظ الكلمات؟ هو يُخبرك أن بإمكانك أن تبني قلعة في الهواء، وهذه القلعة بدون سقف أو حوائط، وأنت تُصدقه.
الآن نصل للنُقطة الأخيرة، “تعلم لُغة الشارع” المسلية بدلًا من الملل المُصاحب لدراسة القواعد اللغوية وحفظ الكلمات. ما يقصدونه في الغالب هو أنك ستتمكن من التُحدث بصورة جيّدة مع الآخرين باستخدام الحديث العامي الشائع. إن تعلّمت بهذه الطريقة، فأنت في الحقيقة تتعلم كيف تُصبح “أُميًا” باستخدام هذه اللُغة!
الكلمات المُستخدمة في الحديث اليومي لا تتخطى 1000 -1500 كلمة على أقصى تقدير، والقواعد اللغوية المُستخدمة محدودة للغاية، بل وحتى خاطئة في كثير من الأحيان. أقصى ما يُمكنك التعبير عنه باستخدام هذه اللُغة هو ما يُمكن للأميين من مُتحدثي هذه اللُغة التعبير عنه (ولن تتحدث بنفس طلاقتهم)، وهو ما يؤهلك بصُورة مثالية للعمل في مطعم مثلًا. إن كان هذا أقصى طموحك فلا بأس، ولكن إن كُان هدفك هو الدراسة في الخارج وقررت أن تستعد بهذه الطريقة، فأنت تمزح.
لتتعلم لا مفر من بذل مجهود حقيقي، وهذا المجهود لابُد من زيادته في حال كنت ترغب في اختصار الوقت. يعني على سبيل المثال، الطريقة الوحيدة لتقليص المُدة اللازمة لاتقان لُغة للنصف، هي أن ترفع عدد ساعات دراستك اليومية للضعف. لا تُوجد طُرق سحرية.
اترك تعليقاً