مستقبل الزراعة
بقلم: سارة بيرد
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
سلسلة من البيوت المحمية ذات التنظيم الالي والتحكم عن بعد. أرز عضوي زرعته طائرات (درون) بدون طيار. تبدو مزاوجة التقانة والزراعة أمراً قابلاً للفهم وعملياً رغم التوجهات الزراعية الامريكية المستنفذة للموارد.
سمعنا عن الطائرات الزراعية المسيرة بدون طيار من حيث النظرية ولكن تطبيقها على الواقع قد يحتاج إلى سنين ضوئية حسب بعض الخبراء علاوة على الزراعات المحمية ذات المزارع العمودية التي تزرع النباتات بالطريقة الهوائية aeroponically (دون الحاجة إلى أشعة الشمس أو الري التقليدي أو التراب). يثير ذلك الأمر الإعجاب كما الخيال العلمي إذا نظرنا إلى مدى الاهتمام الاعلامي الكبير الذي تحظى به منشأة زراعية هوائية اقترب افتتاحها في نيوجيرسي الأمريكية.
ولكن هذه الابتكارات الزراعية تستخدم على نطاق واسع في اليابان. ففي معرض طوكيو الزراعي عام 2016 اجتمعت 5500 شركة من اليابان وجنوب شرق اسيا لتعرض أحدث وأفضل ما وصلت إليه التقانة الزراعية وكنت شاهدة على ذلك. كان سيرك حقيقي من ثلاث حلبات ذات الاضواء البراقة والآلات المتدحرجة والصحون الصغيرة من الوجبات المجانية الخفيفة. شعرت بإحساس غامر وسط الذهول والمشاهد المربكة والمحيرة لوجهة الزراعة في نهاية المطاف.
تناقص سكان الريف في اليابان على مدى عدة عقود وتركت الأجيال الجديدة الارياف الجميلة مسحورة بأضواء وإغواء المدن مخلفة ورائها مزارعين بلغوا من العمر عتيا ينظرون إلى أراضيهم وحرفيتهم تتلاشى وما من معين. ومع تزايد أعداد سكان المدن شهدت اليابان اندفاعة قوية نحو الزراعة المحمية التي تكاثرت في الضواحي ونماذج أخرى من التقانة الزراعية التي انتشرت بين التجمعات السكانية عالية الكثافة.
يقول مشجعو هذا التوجه ان زراعة المحاصيل بالقرب من مستهلكيها سيعني انها ستكون طازجة وصحية عندما تصل إلى المستهلك.
ولكن الابتكارات الزراعية اليابانية تذهب أبعد من زراعة الخس تحت أضواء الليد(LED). يخبرني ممثل شركة بيوسن BIO SUN بضحكة ماكرة ” ان استخدام مصابيح الليد في المزارع المحمية عديمة الماء لم يعد شيئاً جديداً هنا. فنحن نقوم بذلك منذ سنين عدة ولكن التقنية الجديدة اليوم هي استخدام ألوان مختلفة من أضواء الليد لدعم النبات عبر كافة مراحل نموه. ذلك هو الجديد.”
هناك الطائرات الزراعية المسيرة بدون طيار الضخمة المفلطحة كأنها عناكب معدنية هوائية في العديد من أكشاك العرض وترى مندوبي المبيعات يتحدثون بحماس عن زراعة الدرون – وخاصة عندما يتعلق الامر بالمحاصيل العضوية- مما يعني ان النباتات سوف تزدهر وتنمو بطريقة مستقرة وثابتة حيث ستخضع لرقابة دائمة من عين النسر. وفتحت زراعة الدورن مجالات عمل جديدة للعديد من اليابانيين.
يشرح ممثل لشركة درون” لدينا اليوم 27 مدرسة لطائرات الدرون من أجل مشغلي طائرات الدرون الزراعية عبر البلاد. إذ إنك بحاجة إلى رخصة لتشغيلها وأصبح الأمر شائعاً للغاية “
ومما يشير إلى مدى اندماج الزراعة والتقانة الجديدة في اليابان على المدى البعيد دخول عملاق الاتصالات شركة نيبون للتليجراف والتلفون هذا المجال. تتجاوز عوائد الشركة 11 تريليون ين وتعتبر الجد الاكبر لشركات الهاتف اليابانية وتحكم قبضتها الهائلة على الخطوط الأرضية وفي الوقت ذاته تبحث عن مجالات جديدة في تقانة المعلومات لتلحق بالشركات الجديدة الرشيقة وبالتالي استثمار أكبر في الذكاء الاصطناعي لصالح المزارعين.
يقول أحد مندوبي الشركات وهو يناولني علبة صغيرة من عصير الخضار” تحاول أبحاثنا وتصاميمنا مساعدة المزارعين عبر الاختراعات ونبحث عن طرق تجعل الزراعة أكثر انتاجية”.
تتجمع الحشود امام كشك شركة نيت (NIT) في المعرض الزراعي بينما تتحدث عارضة عن فديوهات تعليمية تشرح للزوار استخدام الطائرات بدون طيار في الزراعة وسط تأوه وإعجاب المشاهدين كما تعرض روبوت Scarecrow وهو روبوت شخصي بحجم دمية دب ذي عينين براقتين وحرف S كبير مطبوع على صدره.
يبدو الروبوت صغيراً ولكنه مكلف بمهمة كبيرة. إذ يستطيع التحكم بمزرعة كاملة. عندما يتلقى التعليمات من المزارع يتصل الروبوت عبر الاقمار الصناعية بطائرات تسميد المحاصيل ونظراً لتلقي النتائج من الحقل تتمكن التقانة الجديدة من تسيير العمليات الزراعية وفي الوقت ذاته تحفظ البيانات وتحصلها من موسم إلى آخر.
يقول ممثل لشركة أي مينوري E-Minori وهي شركة تستخدم المجسات لتنبيه المزارعين عندما تنخفض معايير البيوت المحمية إلى دون المستوى المطلوب ” ان التقانات الجديدة أكثر فعالية. استخدم المزارعون سابقاً خبرتهم وإلهامهم لمراقبة درجة الحرارة والرطوبة داخل البيوت المحمية ولكنهم لا يستطيعون البقاء هناك طوال الوقت. اليوم أصبح كل ذلك آلياً.”
كما ان احتمال الفوضى تناقص أيضاً. تعني الزراعة المحمية والمتحكم بها كلياً ان المحاصيل ستستمر في النمو في فقاعاتها على أتم وجه بغض النظر عن الحشرات الماضغة للنبات أو التفاوت في درجات الحرارة أو الكوارث الطبيعية مثل التسونامي والزلازل.
يقول أحد العارضين من شركة كلين فارم (Clean Farm) وتسمي نفسها “معمل نبات مرن” وهي شركة تزرع بدون تربة أو ماء “هوائية” ان ” الزراعة المحمية هي طريقة اليوم والمستقبل لأنها لا تتأثر بدرجة الحرارة فهي معزولة بالكامل عن الخارج”.
طعام آمن و نظيف
يحظى القلق تجاه تأثير المواد الخطرة على المحاصيل باهتمام واسع خاصة في اليابان بعد حادثة المفاعل النووي في فوكوشيما عام 2011 والذي أدى إلى تلوث اشعاعي للأرض الزراعية والمياه الجوفية والتربة على امتداد مئات الأميال.
ستكون العائلات الجمهور المستهدف للخضار الخالية من الأمراض والملوثات حيث تتناثر صور الصغار وهم يلتهمون قطع السبانخ المزروعة تحت أضواء الليد بين العارضين. بالإضافة إلى عبارات ” الطعام الآمن” -في ابتعاد صارخ عن مفهوم “عضوي فقط” أو “طعام نظيف” –التي أصبحت شعارات يتردد صداها ي كل مكان.
تشكل الارباح الموعودة حافزاً هاماً للشركات. إذ يمكن باستخدام الزراعة المحمية التلاعب بالفصول حيث يمكن زراعة محاصيل الصيف في الشتاء والعكس صحيح للحصول على أسعار أعلى.
يعلق أحد منسوبي شركة بيوسن “تغيب الشمس في الشتاء الساعة الخامسة مما يعني قصر فترة النمو وباستخدام الأنظمة المحمية يستطيع المزارعون تسريع نمو المحاصيل وبالتالي بيعها بأقصر وقت لأنه لا دور للفصول وأشعة الشمس في ذلك. وبالتالي يكسبون المزيد من المال.”
بعض المصاعب العالقة التي تنتظر الحل المناسب.
لاحظ أحد زملائي لدى تذوقه بعض الكزبرة الطازجة المزروعة في مزرعة محمية عمودية انها لذيذة الطعم ولكنها عديمة الرائحة رغم ان هذا النبات من المحاصيل العطرية.
هنا وقف العلم حائراً أمام هذه الظاهرة. كيف تفقد الأعشاب العطرية رائحتها الزكية –التي هي أهم مزاياها- عندما تزرع في الداخل؟
هل يا ترى أثرت أضواء الليد على التركيب الكيميائي للنبات وأحدثت مثل ذلك التحول الدرامي؟
يبرر أحد المندوبين ذلك بأنه من الخصائص الايجابية للنبات المحمي لان فقدان الرائحة يعني فقدان الحموضة الموجودة عادة في النباتات المزروعة في التربة. ولكني أعتقد ان البحاثة سيعودون لتدارس هذه القضية بشكل أعمق واستخدام التقانة ثانية كأداة تطوير وحل للمشاكل في عالم الزراعة.
ويعيدنا ذلك إلى اعتقاد صناع التقانة الزراعية اليابانية بأن مفتاح مستقبل الزراعة هو: إزالة أي احتمال لوجود خطأ بشري.
اترك تعليقاً