“إياك أن تفكر بصورة سلبية على الإطلاق. دائمًا فكر بإيجابية، تحدث عن إنجازاتك بين الناس وكأنها حدثت بالفعل حتى تدفع نفسك للقيام بها، تخيل حياتك وأنت تعيش في ذلك النجاح الذي تريد تحقيقه.”
ولكن أيًا من ذلك لا يعمل بالصورة الموعودة، بل في الحقيقة يحدث العكس.
أعتقد أنني وجدت أساس علمي يفسر لم أن التنمية البشرية -بصورتها الحالية- تأتي بأثر عكسي، وكيف أن التفكير الإيجابي المُطلق سيئ بنفس درجة التفكير السلبي.
لماذا؟ لأنه بتكرار التحدث بين الأهل والأصدقاء والمعارف عما تريد فعله، يُصبح هذا جزءًا من “واقعك الإجتماعي”، الأمر الذي يخدع عقلك أن جزءًا من هذه الأهداف قد تحقق بالفعل، وبالتالي تمتلك ذلك الوهم في رأسك أنك متقدم أكثر مما أنت عليه في الحقيقة، وبالتالي تعمل بجدية أقل، وبالتالي لن تحقق هدفك في الواقع!
قابلني أيضًا بحث آخر (https://goo.gl/3voJit) يتحدث عن “مشاكل” التفكير الإيجابي، وهو يرتبط بصورة كبيرة بمحاضرة تيد السابقة.
تعمل كاتبة المقال كبروفيسور لعلم النفس في جامعتي نيويورك وهامبورج، أبحاثها خلال العقدين السابقين كانت دراسة علمية لزعم “قُوة التفكير الإيجابي”، حيث قامت بالعديد من الأبحاث على مواقف حياتية مختلفة على فئات مختلفة ووصلت إلى نفس النتيجة: التفكير الإيجابي -بالصورة التي يروج له بها حاليًا- لا يأتي إلا بأثر عكسي.
مثلًا، في دراسة لمجموعة من النساء التحقن ببرنامج لإنقاص الوزن، طُلب من مجموعة الحفاظ على التفكير بطريقة إيجابية حيال العملية وتخيل كيف تبدو حياتهن وكأنهن أتممن البرنامج، و طُلب من المجموعة الأخرى التفكير في العقبات التي ستواجههن، مثل أنهن سيغششن وسيقمن بتناول طعام ليس من المفترض بهن تناوله. بعد عام، كانت النتائج كالتالي: كُلما كانت الطريقة التي فكرت بها المرأة إيجابية، كُلما كان النقصان الفعلي في وزنها أقل!
لماذا لا يعمل التفكير الإيجابي كما نتوقع منه؟ في حين أن التفكير الإيجابي عن المستقبل يؤدي إلى حالة هدوء عامة في الجسم وانخفاض ملحوظ في ضغط الدم، فإنه في نفس الوقت يقتطع من الطاقة التي من المُفترض أن تبذلها في تحقيق هذا المستقبل. بعبارة أخرى، هو يجعلك أكثر كسلًا.
طيب ما الحل؟ هل نستمع للمدرسة المقابلة التي تطلب منا أن نتخلى عن التفكير الإيجابي نهائيًا ونتعامل مع الأمور “بواقعية”؟
لا، هذا الخيار سيء أيضًا، ويؤدي لنفس النتيجة. ألا تتخيل في طريقك سوى العقبات والتحديات التي عليك تجاوزها هو بنفس سوء أن تغرق في خيالات إيجابية، لن تحقق أي شيء.
الحل كما تقول كاتبة المقال في أسلوب يُطلق عليه “المُقابلة العقلية”، وهو وسط بين التفكير الإيجابي وبين النظرة الواقعية.
في البداية تتخيل المُستقبل الرائع الذي ينتظرك عند تحقيق هدف معين، وتتخيل نفسك بالفعل في ذلك المُستقبل. بعد ذلك، قُم “بتغيير التروس” وانتقل للتفكير في العقبات والتحديات التي تحتاج التغلب عليها للوصول لهذا المستقبل، وابدأ في العمل عليها. التنقل الدائم بين هاتين الحالتين، أو “المقابلة العقلية”، أثبت أفضل النتائج في التجارب العملية.
تقول الكاتبة أيضًا أن هذا الأسلوب يُساعد على “فلترة” الأهداف؛ حيث أنه بمرور الوقت ستشعر بأنك تتمسك بالأهداف “القابلة للتحقيق” بالنسبة لك بصورة أكبر، بينما تشعر بالفتور والإبتعاد عن الأهداف الأخرى التي ليست كذلك.
أضيف إلى كلام الكاتبة أنه في حين أن “المُقابلة العقلية” هي الأسلوب الأفضل في التفكير على المدى الطويل، أو أنه الوضع الإفتراضي الذي يُفضل أن تكون فيه معظم الوقت، فإنه تأتي عليك أوقات معينة يكون من الأفضل فيها أن تُفكر بإيجابية مُطلقة، وأوقات أخرى أن تُفكر بسلبية مطلقة.
أعتقد أيضًا أن التأثير السلبي للإفراط في التفكير الإيجابي يتعدى المستوى الشخصي ليصل للمستوى الجماعي.. الثورة مثلًا؟
الإستنتاج:
- الكثير من التفكير الإيجابي يؤدي لنتائج سلبية.
- بعض التفكير السلبي (أو الواقعي) يؤدي لنتائج إيجابية.
- التوازن بين التفكير الإيجابي والسلبي يأتي بأفضل النتائج.
- التنمية البشرية مُخدرات لا تُسمن ولا تُغني من جوع. في حين أنها تُسبب لك الكثير من الراحة النفسية و “النشوة العقلية”، إلا أنها تريحك لدرجة أنك لن تُحقق معها أي شيء ذا قيمة في الواقع (إلا إذا قررت أن تُصبح أنت الآخر تاجر مُخدرات.. أقصد مُدرب تنمية بشرية.) بعبارة أخرى، التنمية البشرية تحول الشخص من فاشل حزين، إلى فاشل سعيد.