محمد صلي الله عليه و سلم و دروس الصدق و السياسة 2
إن المتأمل في السنة النبوية المشرفة ليجد من المواقف ما يزيل اللبس في اعقد المواقف بما لايدع مجالاً للشك أو الطعن في نبوته و صدق رسالة الإسلام.
في العام الثامن من الهجرة كان ميلاد ابن الرسول ابراهيم بن محمد و سر به رسول الله سروراً كبيراً و لكن سعادة الرسول بهذه الهبة الربانية لم تدم طويلاً فبعد عام و نصف من و لادته أذن الله بإسترداد وديعته حزن عميق ملاً النفوس و الصدور لحزن رسول الله الذي قال مقالته الشهيرة إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن و إنا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون …أما المنافقون و الكافرون فملأت السعادة قلوبهم و تهامسوا  بتر محمد! …ليتناهي إلي مسامع رسول الله ما قالوا فيزداد حزنه من مقالة هؤلاء
و في غمرة هذا الحزن و الشعور القابض و شماتة الشامتين … كسفت الشمس ! فتلقف المسلمون هذا الحدث و تحدث الناس أن الشمس قد كسفت حزناً علي ابراهيم و كرامة لرسول الله و أني لها ألا تفعل !
و بلغ الحديث الرسول … و أئذنوا لي أن تكون هنا لنا وقفه نعيد فيها تحليل أطراف الوضع السابق :
– رسول الله و قد إعتصر الألم قلبه حزناً علي وفاة ابنه و علي ما قاله أهل الكفر و النفاق 
– صحابة آلمهم ما آلم رسول الله و أمتلأت قلوبهم هماً و حسرة يلتمسون عزاءاً في هذا الموقف المهيب
– كفار و منافقون يتهمون الرسول صلي الله عليه و سلم بأنه ساحر و شاعر و كذاب يتهامسون بأن محمد قد بتر و أن ما حدث لم يكن ليحدث لنبي 
و حادث أي شخص كان سيعتبره طوق نجاة من هذا الموقف المعقد و معجزة تفرح المؤمنين و توحد صفهم و تقتل شكوك من اهتز أيمانه بأقوال هؤلاء الكارهين بل و تغيظ الكافرين و تقطع دابر ألسنتهم . و لم يكن الرسول بحاجة إلي الكذب بل يتركه لينتشر بين الناس دون أن يتدخل و ليعتقد كل ما يشاء له أن يعتقد.
 لكن هذا محمد رسول الله الذي بعثه برسالة صدق…رسالة يفهم مغزاها… فلا يستخدمها ….بل يخدمها.
فلما بلغ الحديث رسول الله نفض عنه الحزن وصعد منبره و قام في الناس يخطب خطبته الشهيرة أيها الناس
 إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ ، وَإِنَّهُمَا لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا ، فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ 
لا عذر و لا حجة إذا للكذب أو للصمت علي الكذب , فالإسلام رسالة صدق أرقي و اعظم من أن تحتاج لكذب كاذب أو لؤم لئيم .

و قد يقول قائل إن السياسة تبني علي الكذب فهي حرب و الحرب خدعة و هذا كلام عاري عن الصحة فالسياسة هي فعل يصبغ بمباديء من يمارسه فإذا ما اتخذت من الكذب منهجاً فأنت كاذب لا محاله و إذا كان منهجك الصدق كنت صادقاً و استقام لك الأمر و كل إناء ينضح بما فيه فهذا عمر يقول “أنا لست بالخب و ليس الخب يخدعني” فنفي عن نفسه صفة الخداع برغم خداع و إن خادعه الناس و اكتفي باليقظه التي لا تفسد الخلق 

ان الله غني عن كذب الكاذبين فالكذب أو الصمت علي الكذب بدعوي وحدة الصف أو إغاظة الحاقدين أو نشر الدين ما هو إلا محض افتراء علي هذا الدين الذي يدعو إلي الصدق و يخلع عن الكاذب ثوب الإيمان بل في الحقيقة يمتلك الكذب اثراً عكسياً مدمراً علي المجتمع الإسلامي فيزرع التشكك و يقتل الثقه فلا يبقي حصاد غير الندامة .
كتبه : محمد علي ماهر

اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة − اثنان =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading