سـحر المَـاديات

إنه لمن الجميل أن نضع يومـا إصبع الصراحة على كل تلك المواضيع التي يتخوف منها الجهال منا و الطغاة و سلالة الحساد و الغيورين كخطابنا و تركيزنا العميق على الجرح الذي يتداعى في الكل فمثلا لا يجب أن يخسر غيرك كي تفوز أنت حرّر نفسك من المقارنة الهدّامة فهي تضعف قدراتك و تصيبك بالقلق و عدم الثّقة بالآخر .

 قارن نفسك بأفضل ما لديك ، ولا تكثر من التذمرات لكي تستقطب كلام الناس أو تجذب الآخرين بأملاكك ، بقلعة تملؤها أو سيارة فخمة تصول و تجول بها وسط الأعين ، إنّ الله خلق و فرق بين العباد في الأرزاق و الأملاك و نعلم جيدا أننا في زمنٍنا هذا أصيب الكثير منـا بوعكة ذاتية خطيرة جدّا و ثغرة عدوانية رهيبة فقد أصبحت تقتلنا السطحيات العامة أكثر من الجوهر الخام .
 نميل للشكل المبهر و تسحرنا الأموال الطائلة و الثراء العجيب الذي يزرع فينا رغبة و نشوة التملك و التسلط و الرزق فليس كون الغنى أو الثراء بل بالجهر بالأملاك و المجاهرة بالأرزاق و الرياء بالصدقات و مجارات البنيان و التسارع بالحظوظ المالية و الجشع في العيش لزرع الصورة المادية للناس ، فنرى الجميع اليوم يتقاتل لكي يبدو بالصورة الأبهى و الممتلكات الأغلى.
 أشبه لو كنا على خشبة مسرح نتشابك و نتضارب لشغل الدور الأبهى لنجد التصفيق و الصفير ، و يصبح الصغير و الكبير يذكرنا و يمدحنا ، إنّ حبّ الظهور نشأ فينـا و بات يتغلغل حتى أصبح يطاردنا كالظل ، فلا تصبح هناك مبادئ تشدّ بارجة هذا المجتمع ، و لو تحدثنا عن أولئك الذين قد يبيعون أنفسهم و كرامتهم و شرفهم و يسخرون من مالهم لكي يشغلوا الرأي العامّ و لأننا فشلنا في إرسال قدسيّة المبادئ لأبنائنا ، فأصبحوا أول من يجلدنا و يفضحنا في قلب المقاهي ، و في أوساط المحتشدات ، فلا لم يتبقى من يهاب الأحق و يوقر الأبجل ولا يعلي كلمة الحقّ .

 ذاك هو مفهوم الماديـات الذي جنى على شرائح المجتمع و جعل الفقير يكابد و يتطرف بكافة الطرق ليلتحق بركب الحال و يكون مواكب العصر و إحدثيات الزمان ، فالجميع يضع تلك الشخصية الوهمية من نفسه لكي يلقيها في أبصار الناس ، فلا يكاد الناس يصدق أي شيء سوى عبثيات المادة و العقارات المشيدة و القصور الفاخرة التي تصفعنا بمجرد أن نبصرهـا ، نعم إنـه المنـظور ، فمثلما قالوا قديما إن لم تجد فافترس ، فأشبه لو قلنا أننا في قانون الغـاب ، الغلبة للقوي ، من يضع فروا خلابا يجذب الناس و الخلائق .

فتجد الجميع في سباق نحو البقـاء و فرض الوجـود ، لتقتلهم بذلك المـادة التي تعمي البصيرة و القلب و الفؤاد ، فتنتهك الأسس و القيم ، فنحن لسنا بحاجة لملك الأكثر بل السباق الحقيقي هو نحر هـاته المـاديات و العبثيات العميقة ، و التمسك بالحقائق و المبادئ و الركيزة على القيم ، و تنبيه الضميـر ،و توجيـه الكيـان نحو الحقيـقة التي يتهرب منها الجميع.

 بقلــم : عـمـاد بــاسي

عن الكاتب
 عماد باسي خريج جامعي لغة انجليزية
الموهبة / : رسام ، خطاط ، مزخرف ، مترجم ، كاتب ومؤلف و محاضر في القضايا الاجتماعية ، باحث في الوضعية النفسية للشباب ، مختص بعلم النفس الاجتماعي.


اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × ثلاثة =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading