بقلم: د. بريت ويليامز و د. ساجاديفان موندري
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
” تستطيع نباتات النشور العيش لسنوات في حالة جفاف هوائي قبل النمو بطاقة كاملة عند هطول المطر. كيف تتمكن من فعل ذلك وهل بالإمكان نقل هذه الخاصية لتحسين تحمل المحاصيل للجفاف والحرارة والملوحة والعدوى؟ “
تحتاج النباتات إلى كمية وافرة من المياه. وفي يوم مشمس حار تستبدل بعض النباتات كل جزيء ماء لديها خلال ساعة واحدة.
نحن نصنع السيارات بحيث تصبح أكثر كفاءة في استهلاك الوقود وتخفيض الكلف والانبعاثات الضارة ولكن هل نتمكن من دفع النباتات لتصبح أكثر فعالية في استخدام الماء والحصول على محاصيل أكبر مقابل كل قطرة؟
قد تحوي النباتات أكثر من 90% من حجمها ماءً بالمقارنة مع نسبة 60% لدى البشر. ولمقارنة متطلبات الماء لدى النبات نقول إذا وصلت نسبة فقد النبات للماء إلى مستوى نسبته لدى البشر فسوف يذبل ويموت.
كيف نساعد النبات على تحمل الجفاف؟
تستطيع مجموعة صغيرة من النباتات المزهرة فقدان أكثر من 90% من ماءها وتبقى على هذه الحالة عدة شهور. وقد تملك ” نباتات النشور” تلك سر تحسين تحمل المحاصيل للجفاف.
وكالعنقاء ( طائر اسطوري ينبعث من الرماد بعد موته) تجف نباتات النشور إلى حالة رماد جاف وعند الري ” تنبعث ” لتبدأ النمو بكامل طاقتها خلال 24 إلى 72 ساعة.
تخيل ان بإمكاننا توليد محاصيل تتحمل الفقد الكبير للماء خلال فترات الجفاف ومن ثم تعاود النمو عند هطول المطر !.
اكتشف فريق الابحاث لدينا في جامعة كوينسلاند للتقانة في استراليا مؤخراً ان خلايا نبات من نباتات النشور الأسترالية لا تموت عند الجفاف وعند توفر الماء تتجدد النسج الموجودة مسبقاً بدلا من توليد نسج جديدة.
اثبتت الابحاث التالية ان تلك الخلايا تستطيع البقاء على قيد الحياة لفترات تتراوح ما بين أشهر إلى سنوات عندما تكون في الحالة الجافة. وتبين ان من نباتات النشور من “ذاب بعد تجمد ” وعاود النمو بعد بقاءه متجمداً لمئات السنين في طبقات الجليد القطبي والتي بدأت بالذوبان بفعل الاحترار العالمي.
كيف تتمكن الخلايا في نباتات النشور من العيش في مثل تلك الظروف البالغة الصعوبة؟
لقد دفعتنا ملاحظة بقاء الخلايا على قيد الحياة في نباتات النشور عند الجفاف للنظر إلى الاستراتيجيات المختلفة التي تستخدمها النباتات والحيوانات لكبح موت الخلايا (وتم نشر تفاصيل هذه التحليلات مؤخراً في مجلة)
تبين لنا ان نباتات النشور تزيد من كمية التريهالوز وهو أحد انواع السكر الذي لا تراكمه معظم النباتات الارضية بمستويات مرتفعة. وتستخدم هذه النباتات هذا السكر لتنظيم مسارات موت الخلية المبرمج.
وموت الخلية المبرمج هو عملية تحدث في كل المخلوقات. وتقرر هذه العملية ما إذا كانت خلية ما ستعيش او تموت ويحدث ذلك خلال النمو أو استجابة للشدة.
ففي البشر يساعد موت الخلية المبرمج على تشكيل أصابع ايدينا وأرجلنا بحيث يأمر الخلايا الموجودة بين الأصابع بالموت بينما تنقسم وتنمو الخلايا المحيطة بها لتشكل أصابعنا.
يعتقد ان موت الخلايا المبرمج يساعد المخلوق على البقاء من خلال التضحية ببعض الخلايا بصورة منضبطة بحيث تحد من عدد الخلايا التي تموت بلا إنضباط . ومن المعلوم ان كل شدة تفضي إلى الموت فإذا استطعنا التحكم بقرار مسارات موت الخلية المبرمج قد يصبح بالإمكان توليد محاصيل تتحمل الكثير من الشدائد مثل الجفاف والحرارة والملوحة والاوبئة التي تسببها الفطور وكائنات ممرضة أخرى .
ومع هذه المعلومات هل نستطيع نقل خصائص البقاء الموجودة لدى نباتات النشور إلى المحاصيل؟
إطعام بشر أكثر
وصل عدد سكان العالم اليوم إلى ما يقرب من 7.5 مليار إنسان ومن المتوقع ان يصل إلى 10 مليار إنسان بحلول عام 2050 .
ومن أجل إطعام هذا العدد الهائل من البشر يتوجب علينا إنتاج غذاء خلال الخمسين عاماً المقبلة أكثر مما انتجنا خلال الـ 10000 عاماً الماضية مجتمعة.
وهذا يوازي زيادة 70% في الإنتاج الزراعي.
هل سنتمكن من زيادة موارد الغذاء لتلبية هذا الطلب دون تدمير البيئة؟
تستخدم الزراعة 70% من مواردنا المائية العذبة على مستوى العالم ولكن انتاج 1 كغ من البروتين الحيواني يستهلك 100 ضعف حجم الماء اللازم لإنتاج 1 كغ من الكتلة النباتية . لان الحيوانات تحتاج للماء مباشرة إضافة إلى النبات كعلف.ولذلك يضاف الماء اللازم لإنتاج علف الحيوان إلى الاحتياج المائي اللازم لإنتاج البروتين الحيواني .
هل نستطيع العيش على البروتينات ذات المنشأ النباتي وحدها؟
توفر النباتات ذات المحتوى المرتفع من البروتين مثل البقول والحبوب القطاني الاجابة على هذا السؤال.
فالبقوليات نباتات تنتج ثماراً داخل قرون ونعني بحبوب القطاني البذور الجافة للبقول. تعتبر حبوب القطاني مثل الحمص والعدس والفول والفول المونج من الاغذية المهمة ذات المحتوى العالي من البروتين والالياف والمعادن الاساسية مثل الحديد وحمض الفوليك ومجموعة اخرى من فيتامينات ب.
وكغيرها من المحاصيل تتعرض الحبوب البقولية للجفاف وشدائد بيئية أخرى. ماهي امكانية تحسين تحمل الشدائد لدى حبوب البقول ؟
باستخدام ملاحظتنا بان تراكم التريهالوز يحفز مسارات البقاء قمنا بنقل مورث(جين) وحيد من مسار بقاء لدى نبات نشور استرالي إلى نبات الحمص وقيمنا تحمل النبات للشدائد.
اظهرت التجارب الاولية في البيوت الزجاجية ان نباتات الحمص المحورة وراثياً متحملة للجفاف والملوحة والحرارة اضافة لمقاومتها لفطر العفن الرمادي الذي يتشكل على ثمار الفراولة عندما تترك خارج الثلاجة.
كما انها تنتج كميات أكبر من السكر عالي الجودة وثماراً أكبر حجماً.
|
|
نباتات الحمص المحورة وراثياً التي تضم مورث محفز على البقاء مستخلص من نباتات النشور الأسترالية تريبوجون لوليفورميس مقاومة للشدة. |
تظهر هذه الصورة الى اليسار نباتات غير محورة وراثياً والى اليمين نبات حمص محور وراثياً تعرض للشدة خلال الازهار عن طريق توفير نصف كمية الماء لمدة 30 يوم واخذت هذه الصورة بعد مرور 35 يوم اضافي بدون ري.
ورغم انها لا تزال في مراحلها الاولى تظهر هذه التجارب امكانية كامنة هائلة لنقل خاصية تحمل الشدائد من نباتات النشور إلى المحاصيل دون التأثير على معدلات النمو والإنتاج. وربما نتمكن في المستقبل وباستخدام تقنيات تصحيح المورثات المطورة حديثاً من تطوير محاصيل متحملة للشدائد تستطيع الاستمرار في العطاء رغم الظروف البيئية الشديدة الجفاف.
|
اثبتت الدراسات الاولية في البيوت الزجاجية ان نباتات الحمص المحورة وراثياً متحملة للجفاف والملوحة والحرارة اضافة لمقاومتها لفطر العفن الرمادي على الفراولة. الاشخاص من اليسار الى اليمين: د. سوديبتا داس بهوميك. د. ساجاديفان موندري . د. ماي لين هوانج . د. بريت ويليامز. |
===============
د. بريت ويليامز باحث في جامعة كوينسلاند للتقانة
د. ساجاديفان موندري مدير مركز المحاصيل الاستوائية والسلع الحيوية في جامعة كوينسلاند للتقانة في استراليا.
AUSTRALIAN SCIENCE
MARCH, APRIL 2017
اترك تعليقاً