تعد البدانة من أكثر الأمراض الشائعة بين الناس، والتي ازدادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وهي تعد عامل خطورة رئيسي لأمراض القلب التي هي أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في العالم، وهناك العديد من الدراسات التي ربطت بين البدانة (السمنة) وزيادة معدلات الوفاة لدى الرجال والنساء على حد سواء. وقد ارتفع خطر الوفاة بنسبة ١٠٪ لدى أولئك الذين انتقلوا من مؤشر كتلة الجسم الطبيعي إلى فئة زيادة الوزن، بينما ارتفع هذا الخطر بنسبة ٢٠ إلى ٣٠٪ عندما انتقلوا إلى فئة السمنة، أما في حالات السمنة المفرطة فلقد ارتفع خطر الوفاة بنسبة ١٠٠٪ تقريبًا، وكانت الوفاة بالأزمة القلبية أربعة أضعاف وفاة الشخص الذي لديه مؤشر كتلة الجسم الطبيعي.
هل السمنة مرض؟
السمنة مرض معقد تزيد فيه كمية دهون الجسم زيادة مفرطة، وهي ليست مجرد مصدر قلق بشأن المظهر الجمالي بل إنها مشكلة طبية تزيد من عوامل خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية أخرى مثل أمراض القلب ومرض السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم وأنواع معينة من السرطان.
وتنتج السمنة عادة عن عوامل وراثية وفسيولوجية وبيئية، بالإضافة إلى اختيارات النظام الغذائي والنشاط البدني وممارسة الرياضة. هناك العديد من الأسباب التي تجعل البعض يواجهون صعوبة في إنقاص الوزن. ولكن ما يدعو للتفاؤل أن حتى إنقاص قدر بسيط من الوزن بإمكانه أن يحسن المشكلات الصحية المرتبطة بالسمنة أو يقي منها.
ويمكن تحقيق ذلك بتحسين نمط الحياة وذلك بإتباع نظام غذائي صحي وزيادة مستوى النشاط البدني. كذلك تعد الأدوية الموصوفة طبيًا والإجراءات الجراحية لإنقاص الوزن خيارًا ممكنًا لعلاج السمنة إذا لزم الأمر.
مؤشر كتلة الجسم
يستخدم مؤشر كتلة الجسم لتشخيص السمنة. ولحساب مؤشر كتلة الجسم يُضرب الوزن بالرطل في ٧٠٣، ويُقسم على الطول بالبوصة، ثم يُقسم الناتج مرة أخرى على الطول بالبوصة. أو يُقسم الوزن بالكيلوغرام على الطول بالمتر مضروبًا في نفسه.
مؤشر كتلة الجسم (حالة الوزن)
- أقل من ١٨،٥ نحافة
- ١٨،٥ – ٢٤،٩ طبيعي
- ٢٥ – ٢٩،٩ زيادة الوزن
- ٣٠ أو أكثر سمنة
يقدم مؤشر كتلة الجسم تقديراً معقولاً لنسبة الدهون في الجسم لمعظم الأشخاص ولكنه لا يقيس نسبة الدهون بشكل دقيق، ولهذا فقد يكون مؤشر كتلة الجسم لبعض الأشخاص كالرياضيين أصحاب الكتلة العضلية الكبيرة ضمن فئة السمنة حتى لو لم يكن لديهم دهون زائدة.
يقيس كثير من الأطباء أيضًا محيط خصر الشخص للمساعدة على توجيه القرارات العلاجية. تشيع المشكلات الصحية المرتبطة بزيادة الوزن بين الرجال الذين يزيد محيط خصرهم على ١٠٢ سنتيمتراً وبين النساء اللاتي يزيد محيط خصرهن على ٨٩ سنتيمتراً.
السمنة وتصلب الشرايين
الوزن الزائد في حد ذاته لا يتسبب في نوبات قلبية بشكل مباشر، ولكنه يسهل حدوث تفاعلات أخرى يمكن أن تؤدى إلى مشاكل بصحة القلب، فهي تتسبب في ارتفاع الكوليسترول في الدم وارتفاع ضغط الدم والسكري مما يؤدي إلى تصلب الشرايين. كما أن السمنة تتفاعل مع عوامل الخطر الأخرى لجعل تصلب والشرايين أسرع، ويزداد الأمر سوءاً مع الأشخاص المدخنين مما يؤدى إلى تصلب الشرايين وحدوث أمراض القلب.
ارتفاع الكوليسترول مع السمنة
يؤدي الوزن الزائد إلى مقاومة الأنسولين وهي الخاصية الرئيسية لمرضى السكري من النوع الثاني، فكلما زادت نسبة الدهون لدينا زادت مقاومة الأنسولين، يؤدي هذا إلى إفراز المزيد من الأنسولين، مما يجعل أجسامنا تخزن الدهون، بعد ذلك تصبح أكثر مقاومة للأنسولين، فتصنع المزيد من الأنسولين، وتخزن المزيد من الدهون، لذلك نجد مع مرض السكري يتضاعف خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية ثلاث مرات تقريباً.
وتؤثر دهون الجسم أيضًا على مستويات الدهون في الدم، فكلما زاد وزن الجسم يزداد الإحتمال أن تكون مستويات الكوليسترول الضار عالية ونسبة الدهون الثلاثية أعلى وتنخفض مستويات الكوليسترول الجيد.
ارتفاع ضغط الدم مع السمنة
يرتفع ضغط الدم عندما يضطر القلب إلى بذل المزيد من الجهد لضخ الدم وإيصاله إلى شبكة الشرايين في الجسم، وبمرور الوقت تصبح عضلة القلب التي تكافح أكثر سماكة، مما يزيد من خطر الإصابة بقصور القلب وعدم انتظام ضربات القلب.
توقف التنفس أثناء النوم مع السمنة
يعاني الكثير من المرضى بالسمنة المفرطة من توقف التنفس أثناء النوم، وتوقف التنفس أثناء النوم يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو الوفاة بنسبة ٣٠٪ خلال أربع أو خمس سنوات فقط. ويميل الأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم إلى الشعور بالجوع، وزيادة الوزن من تناول وجبة خفيفة ويواجهون مشكلة في فقدان الوزن عند المحاولة.
أسباب البدانة
رغم التأثيرات الجينية والسلوكية والأيضية والهرمونية على وزن الجسم، فإن السمنة تظهر عندما تتناول سعرات حرارية أكثر مما تحرقه في الأنشطة اليومية العادية والتمارين الرياضية. فجسمك يخزن هذه السعرات الحرارية الزائدة عن الحاجة على هيئة دهون.
يشيع انتشار السمنة بين أفراد الأسرة الواحدة. ولا يرجع سبب ذلك إلى الجينات التي يتشاركونها فحسب. بل يميل أفراد الأسرة الواحدة أيضاً إلى مشاركة العادات الغذائية ذاتها ومزاولة الأنشطة نفسها.
عوامل الخطورة لمرض السمنة
اختيارات نمط الحياة
- النظام الغذائي غير الصحي: يسهم النظام الغذائي عالي السعرات الذي يفتقر إلى الفاكهة والخضروات، والمليء بالوجبات السريعة، والمتخم بالمشروبات عالية السعرات وحصص الطعام الكبيرة للغاية في زيادة الوزن.
- السعرات الحرارية السائلة: يمكن للأشخاص تناول الكثير من السعرات الحرارية دون الشعور بالشبع. يمكن أن تسهم المشروبات ذات السعرات الحرارية العالية -مثل المشروبات الغازية المحلاة في زيادة الوزن بشكل كبير.
- قلة النشاط (الخمول): إذا كان لديكَ نمط حياة خامل (قليل الحركة)، فيمكنكَ بسهولة الحصول على سعرات حرارية أكثر كل يوم مما تحرقه أثناء التمرن والأنشطة اليومية الروتينية. ومن أمثلة النشاط الخامل النظر في شاشات الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف. وكلما زاد عدد الساعات التي تقضيها أمام الشاشات، ارتفعت احتمالية ازدياد وزنك.
بعض الأمراض والأدوية
يمكن أن ترجع السمنة لدى بعض الأشخاص إلى أسباب طبية، مثل متلازمة برادر-فيلي ومتلازمة كوشينغ وغيرها من الحالات. وقد تؤدي الإصابة ببعض المشكلات الصحية أيضاً، مثل التهاب المفاصل، إلى قلة النشاط؛ مما قد ينتج عنه زيادة الوزن.
قد تؤدي بعض الأدوية إلى زيادة الوزن إذا لم يتم التعويض عن ذلك من خلال النظام الغذائي أو الأنشطة. وتتضمن هذه الأدوية بعض مضادات الاكتئاب، والأدوية المضادة لنوبات الصرع، وأدوية السكري، والأدوية المضادة للذهان، والستيرويدات، وحاصرات مستقبلات بيتا.
المشكلات الاجتماعية والاقتصادية
ترتبط العوامل الاجتماعية والاقتصادية بالسمنة. من الصعب تجنب السمنة إذا لم يكن لديك مناطق آمنة للمشي أو ممارسة الرياضة. وبالمثل، قد لا تكون تعلمت طرقاً صحية للطبخ أو ربما لا يمكنك الحصول على الأطعمة الصحية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر الأشخاص الذين تقضي وقتاً معهم على وزنك، فمن المحتمَل أن تصاب بالسمنة إذا كان لديك أصدقاء أو أقارب لديهم سمنة.
العمر
يمكن أن تحدث السمنة في أي عمر، ويمكن أن تصيب حتى الأطفال الصغار. ولكن بتقدمك في العمر، تزيد التغيرات الهرمونية ونمط الحياة الأقل نشاطاً خطر إصابتك بالسمنة. إلى جانب أن كمية العضلات في جسدك تميل للنقصان كلما تقدم بك العمر. ويؤدي نقص الكتلة العضلية عمومًا إلى انخفاض في معدل الأيض.
وتؤدي هذه التغييرات أيضاً إلى نقص الاحتياجات من السعرات الحرارية وتجعل تجنب زيادة الوزن أكثر صعوبة. وإذا لم تتمكن أن تتحكم بوعي في ما تتناوله من طعام وتصبح أكثر نشاطًا من الناحية البدنية مع التقدم في السن، فمن الراجح أن يزيد وزنك.
عوامل أخرى
- الحمل: زيادة الوزن شائعة أثناء الحمل. وتجد بعض النساء صعوبة في التخلص من هذا الوزن بعد الولادة. وقد تسهم زيادة الوزن هذه في إصابة النساء بالسمنة.
- الإقلاع عن التدخين: غالباً ما يرتبط الإقلاع عن التدخين بزيادة الوزن. وبالنسبة للبعض، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن بما يكفي لتشخيصها على أنها سمنة. يحدث هذا غالباً عندما يتناول الأشخاص الطعام للتغلب على أعراض الامتناع عن التدخين. ومع ذلك، لا يزال الإقلاع عن التدخين صحياً بصورة أكبر عن الاستمرار فيه على المدى الطويل. يمكن أن يساعدكَ طبيبك على تجنب زيادة الوزن بعد الإقلاع عن التدخين.
- قلة النوم: قد يتسبب عدم نيل قسطٍ كافٍ من النوم، أو النوم أكثر من اللازم، في إحداث تغيرات هرمونية تزيد الشهية. وقد تشتهي أيضاً أغذية عالية السعرات والكربوهيدرات مما قد يسهم في زيادة الوزن.
- التوتر: قد تساهم العديد من العوامل الخارجية التي تؤثر على الحالة المزاجية والعافية في السمنة. وغالباً ما يتناول الأشخاص المزيد من الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية عند تعرضهم لمواقف مسببة للتوتر.
- الميكروبيوم: تتأثر بكتيريا الأمعاء بما تأكله، وقد تساهم في زيادة الوزن، أو صعوبة فقدان الوزن.
وحتى إن وجد واحد أو أكثر من عوامل الخطر هذه، فهذا لا يعني بالضرورة الإصابة بالسمنة. فبإمكانك التصدي لمعظم عوامل الخطر عن طريق النظام الغذائي، والنشاط البدني، وممارسة الرياضة، وإجراء تغييرات سلوكية.
إشارات تحذيرية متعلقة بأمراض القلب لدى الأطفال الذين يعانون من إفراط في السمنة
خلصت أحدى الدراسات إلى أن ٦٢ في المئة من الأطفال الذين يعانون من إفراط في السمنة دون الثانية عشر لديهم إشارة أو أكثر تدلل على وجود مخاطر مرتبطة بالقلب والأوعية الدموية. وكان أكثر من النصف يعانون من ارتفاع ضغط الدم، كما كانت هناك حالات انخفاض “الكولسترول الجيد” وارتفاع في سكر الدم، هذا يمكن أن يفضي إلى أمراض في القلب والأوعية الدموية في سن البلوغ. هذه مشكلة يمكن علاجها من خلال تجنب الصغار السمنة، وذلك بالتأكيد على أهمية تناول الطعام بصورة صحية وممارسة الأنشطة البدينة في سن مبكرة للحفاظ على صحة القلب بالنسبة للأجيال المقبلة.
الكاتب : دكتورة منال محمد السيد
معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية – المركز القومي للبحوث
البريد الإلكتروني: [email protected]
اترك تعليقاً