تأثير التوتر والإجهاد على المناعة

يمكن أن يؤثر الإجهاد على صحتك العقلية خاصة إذا كان مزمناً، لكن هل يمكن أن يؤثر على استجابتك المناعية؟

هذا المقال يتناول تأثير مستويات التوتر على جهاز المناعة لدينا، وما يمكننا القيام به لإبقاء مستويات التوتر لدينا تحت السيطرة، فهناك علاقة معقدة بين التوتر والإجهاد بكافة أنواعه وجهاز المناعة، حيث يعرف جهازك المناعي متى تكون متوتراً بسبب العمل أو الأسرة أو الشئون المالية أو الأحداث الجارية، فالمدافع الطبيعي عن الجسم حساس للضغط النفسي خاصة إذا كان مزمناً.

علم المناعة العصبي النفسي:

يلعب جهاز المناعة دوراً حيوياً في الدفاع عن أجسامنا ضد الأمراض من خلال محاربة مسببات الأمراض المعدية ومراقبة الصحة الشخصية على المستوى الخلوي، مما يضمن أن يظل جسم الإنسان في توازن واستتباب تام، ومما يسمح بإجراء وظائف الجسم على المستوى الأمثل.

عندما يختل هذا التوازن تصبح صحة الفرد في خطر. ويُعرف الضغط النفسي بأنه الاستجابة العصبية لمواجهة المتطلبات أو الأحداث البيئية التي تتجاوز قدرتنا على التأقلم معها. والإجهاد هو إحساس مألوف لنا جميعاً، وعادة ما يصاحب فترات الاستعجال ويصل إلى الذروة التي توفر قيامنا بالأداء الأمثل.

أما إذا تخطى هذه الذروة، فيمكن أن يؤدي التوتر إلى ظهور أعراض القلق أو التهيج. ويؤدي التعرض لفترات طويلة من التوتر إلى الإرهاق العقلي مما يتسبب في ظهور أعراض جسدية نتيجة استجابة الغدد الصماء له.

أحد أهم هذه الأعراض الجسدية تظهر على شكل اضطرابات في جهاز المناعة، مما يتسبب في مخاطر صحية، وذلك لوجود علاقة متبادلة بين جهازنا المناعي والغدد الصماء وهذا يجعله عرضه للتقلبات في مستويات التوتر. يُعرف مجال الدراسة هذا باسم علم المناعة العصبي النفسي.

كيف يؤثر الإجهاد على الجهاز المناعي:

ويؤثر الإجهاد على الجهاز المناعي عن طريق تحفيز الجهاز العصبي للغدد الصماء لإفراز الهرمونات كغريزة للبقاء على قيد الحياة، ويكون إطلاق الادرينالين والنورادرينالين هو الاستجابة الفورية للإجهاد، وينتج عنها الأعراض المعروفة بالعامية باسم (استجابة القتال أو الهروب).

كما ينتج الإبينفرين تغييرات أيضية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم وارتفاع مستويات السكر في الدم. وعادة ما يكون النوربينفرين مسئولاً عن نغمة القلب ويكون نشطاً حتى أثناء النوم.

من ناحية أخرى، يزيد الكورتيزول من مستويات السكر في الدم ويحول الجلوكوز إلى العضلات عن طريق قمع الأنظمة التي تعتبر أقل أهمية في الوضع الحالي متضمنة الجهاز المناعي، وينشأ عن ذلك ردود فعل سلبية للسيتوكينات، كما وجد أن السيتوكينات المنشطة للالتهابات تزيد مع الإجهاد المزمن وكذلك انخفاض الاستجابة المناعية للأمراض والاضطراب في الشهية والنوم. كما أظهرت التجارب أن الإجهاد يتسبب في التئام الجروح بشكل أبطأ.

الإجهاد المزمن له تأثير مضاعف على صحة الفرد:

فالإجهاد المزمن يحول موارد التمثيل الغذائي في الجسم نحو مواجهة مصدر الإجهاد وقمع الوظائف الجسدية الأقل إلحاحا ً. وبشكل مباشر يتم تعطيل الجهاز المناعي بسبب استجابة الغدد الصماء للإجهاد. خلال هذه الفترة يكون الفرد عرضة لخطر ضعف الاستجابة المناعية للعدوى، والتئام الجروح، وانخفاض المناعة الممنوحة من اللقاحات.

بالإضافة إلى ذلك، يتم زيادة إنتاج السيتوكينات المؤيدة للالتهابات، مما يشكل تهديداً بتلف الأنسجة الناتج عن الالتهاب لفترة طويلة. كما ترتبط العديد من الأمراض الشديدة مثل بعض أنواع السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية بمستويات عالية من السيتوكينات في الدم والتي تزيد مع الإجهاد.

الإجهاد ووظائف الجهاز المناعي:

يمكن أن يقلل الإجهاد من عدد الخلايا القاتلة الطبيعية أو الخلايا الليمفاوية، وهي الخلايا اللازمة لحماية الجسم من الميكروبات، كما يتسبب الإجهاد في أن يقوم الجهاز المناعي بإنتاج استجابة التهابية والتي من الممكن أن تكون مفيدة بشكل مؤقت في محاربة الميكروبات، إلا أنها إذا استمرت وانتشرت في الجسم فقد يسهم ذلك في الإصابة بأمراض مزمنة بما في ذلك تراكم الترسبات الدهنية على جدار الشرايين، ويعد هذا أحد العوامل التي تلعب دوراً كبيراً في العلاقة المعقدة بين التوتر وقلبك.

علاوة على ذلك، فإن الإجهاد المزمن يتسبب في إنتاج مستويات من هرمون الكورتيزول أعلى من المعتاد مما يعيق استجابة الجسم المضادة للالتهابات مسبباً استمرار الالتهابات. لذلك إذا كنت تتعامل مع التوتر ، فعليك أن تحدد مصادره وإيجاد الطرق الملائمة لتجنبه أو التعامل معه.

طرق مفيدة لمحاربة التوتر:

علينا محاربة التوتر بكافة الطرق من أجل صحة نفسية أفضل وجسم أكثر صحة، ومنها:

  1. تخصيص وقتاً للعلاقات الاجتماعية خلال الأوقات العصيبة: فعلى الرغم من أننا نشعر في هذه الأوقات بالحاجة إلى العزلة وتجنب التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا هو الوقت المناسب للوصول إلى الأشخاص الذين نحبهم والإبقاء على التواصل معهم، حيث يمكن أن يساعد نظام الدعم الاجتماعي على التغلب على مشاكل الحياة من خلال تحسين تقديرك لذاتك.
  2. التوقف عن الحديث الذاتي السلبي: من الأفضل أن ننظر إلى المواقف العصيبة من منظور إيجابي وأن نستبدل الأفكار السلبية بأفكار إيجابية وأن نقنع نفسنا بأننا نستطيع تحمل الأمر.
  3. الاستماع إلى الموسيقى: حيث ربطت بعض الدراسات بين الاستماع للموسيقى وتسجيل مستويات منخفضة من الكورتيزول وتقليل الشعور بالتوتر.
  4. أذهب في نزهة على الأقدام: لا تقلل أبداً من قوة تأثير التنزه في الطبيعة، حيث أظهرت الأبحاث أن المشي لمدة ٩٠ دقيقة في الهواء الطلق يمكن أن يقلل من نشاط الدماغ المرتبط بالأفكار السلبية المتكررة.
  5. اكتساب عادات يومية للحد من الإجهاد والتوتر: حيث يمكن أن يكون الحد من التوتر سلوكاً مكتسباً، وذلك بإتباع عادات يومية تساعدنا على عيش حياة أكثر بهجة واليقظة لمصادر التوتر للحد منه. يمكن مثلاً تخصيص بعض الوقت للعيش بحرية أكبر من الوقت الحالي والتركيز على الحاضر ومنح نفسك مساحة ذهنية للتأثير بشكل إيجابي على مشاعرك وأفكارك وسلوكياتك.

أخيرا.. فإن نشر المعرفة بالعلاقة بين الإجهاد وجهاز المناعة لدينا مهم للغاية لتحسين الصحة العامة الجماعية.

الكاتب: د/ منال محمد السيد أحمد
دكتوراة في المناعة المركز القومي للبحوث


اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 12 =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading