أمراض المناعة الذاتية

دكتورة/ منال محمد السيد

جهازنا المناعي هو الحارس الأمين لأجسامنا والمسئول عن حمايتنا من مختلف أنواع الجراثيم المحيطة بنا ، وهو قادر منذ اليوم الأول من عمرنا على التعرف والتفرقة بين أنسجة الجسم ذاته وأي جسم غريب عنه. لكن قد يختلط الأمر على هذا الحارس فيهاجم أنسجة الجسم ذاته، وهذا ما يحدث عند الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية. فما المقصود بأمراض المناعة الذاتية ؟.. وما أنواعها؟.. هذا ما سنتناوله في هذا المقال.

بدايةً.. دور جهازنا المناعي أن يبحث باستمرار عن أي جسم غريب اخترق أجسامنا، وما أن يعثر عليه حتى يبدأ في الإمساك به ثم مهاجمته والتخلص منه في سلسلة مترابطة ومتناغمة بين الخلايا المناعية المختلفة. لا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أن جهازنا المناعي يحتفظ في ذاكرته بمعلومات عن كل جسم غريب هاجمنا ذات مرة، حتى إذا تكرر الهجوم في مرات لاحقة يتمكن من القضاء عليه بشكل أسرع.

هنا يتبادر السؤال.. لماذا يختلط الأمر على الجهاز المناعي فيهاجم الجسم ذاته؟!.

الحقيقة لا يمكن الجزم بسبب محدد يمكنه أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وفي هذا الصدد يمتلك الباحثون العديد من النظريات، لكن المثبت أن أمراض المناعة الذاتية أمراض غير مُعدية ولا يمكنها الانتقال من شخص لأخر.

العوامل الوراثية

بعض العوامل يمكنها أن تزيد من احتمالية الإصابة مثل وجود تاريخ وراثي للإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية، إذ تلعب الجينات دوراً كبيراً في انتشارها بين أفراد الأسرة لكنه ليس حتميًا، كما أن التدخين وزيادة الوزن وأتباع نظام غذائي مرتفع الدهون والسكر والأطعمة المصنعة من أهم العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

النساء أكثر من الرجال

تصاب النساء أكثر من الرجال بأمراض المناعة الذاتية وتُرجع إحدى النظريات ذلك إلى ارتفاع مستوى الهرمونات لدى النساء، خاصة خلال سنوات الإنجاب مما يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية. ومع ذلك هذه الفكرة لم يتم إثباتها بعد بشكل قاطع فهناك العديد من العوامل التي تؤثر على المناعة الذاتية سواء كانت وراثية أو بيئية أو غيرها.

التعرض للأدوية والكيماويات

كما وجد ارتباط بين هذه الأمراض مع تناول أنواع معينة من الأدوية التي توصف لعلاج ارتفاع ضغط الدم وبعض المضادات الحيوية، وكذلك مع التعرض لبعض العوامل البيئية مثل المواد الكيماوية أو الإصابة بعدوى سابقة أو تلف أنسجة الجسم.

خلال فترات العدوى

من أشهر النظريات أنه عندما يشعر الجسم بخطر من عدوى، يبدأ الجهاز المناعي في التحرك لمهاجمته، وهذا ما يسمى بالاستجابة المناعية، إلا أنه في بعض الأحيان تعلق الخلايا والأنسجة السليمة في هذه الاستجابة، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

يعتقد العديد من العلماء أن هذا هو سبب التهاب المفاصل الروماتويدي، وهو نوع من أمراض المناعة الذاتية التي تصيب المفاصل. من الشائع أيضاً أنه بعد الإصابة بالتهاب الحلق أن يُصاب الشخص بالصدفية، وهي نوع من أمراض المناعة الذاتية التي تسبب ظهور بقع سميكة من الجلد المتقشر.

خلال محاربة السرطان

قد تحدث أنواع أخرى من أمراض المناعة الذاتية مع محاولة الجسم محاربة الخلايا السرطانية تحديداً، وأقوى مثل على ذلك مرض تصلب الجلد وهو مرض يسبب سماكة الجلد والأنسجة الضامة، حيث أنه بعدما يتغلب الجهاز المناعي على السرطان، يكون هناك استجابة التهابية متبقية بسبب تلك المعركة.

الضغط الشديد على الأعضاء

أظهرت الأبحاث أيضاً أن أجزاء الجسم المعرضة لضغط شديد يمكن أن يحدث بها استجابة المناعة الذاتية، مثلما يحدث بعد تلف الأوتار التي تربط العضلات بالعظام، حيث يؤدي الضغط المتكرر إلى كشف الأنسجة التي لا يجب أن تكون في العادة على اتصال بخلايا الدم، وعندما تحاول خلايا الدم التئامها، قد تحدث الاستجابة المناعية غير الطبيعية أو الذاتية مسببة التهاب المفاصل والأوتار.

الأعراض

قد تصيب هذه الأمراض عضو واحد من الجسم مثل الإصابة بمرض السكري من النوع الأول ، الذي يهاجم فيه جهاز المناعة خلايا البنكرياس. أو يقوم جهاز المناعة بمهاجمة الجسم كاملاً مثل مرض الذئبة الحمراء. لذلك تتفاوت الأعراض اعتماداً على الجزء المصاب، كما أنها تختلف من شخص لآخر حتى وإن كانا يعانيان من نفس نوع المرض.

وغالباً ما تمر أعراض المناعة الذاتية بفترات من الشدة يعقبها فترات من الهدوء فيما يعرف بالنوبات، فهي لا تسير بوتيرة واحدة. وهناك بعض الأعراض المبكرة ربما تشير إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية لكنها ليست علامات أكيدة، لأنها يمكن أن تتشابه مع أعراض لأمراض أخرى ومنها الأعراض العامة، مثل:

  1. الشعور بالإعياء المستمر
  2. ألم العضلات، تورم واحمرار الجلد أو المفاصل
  3. ارتفاع طفيف في درجة الحرارة
  4. صعوبة التركيز
  5. تنميل الأطراف
  6. تساقط الشعر
  7. طفح الجلد
  8. فقدان الوزن
  9. عدم انتظام ضربات القلب
  10. ضيق التنفس

وقد تكون الأعراض أكثر ارتباطاً بالمرض، مثل أمراض المناعة الذاتية الخاصة بالمفاصل والعضلات، وأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالقناة الهضمية، وأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالجلد، وأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالجهاز العصبي. وقد تؤثر أمراض المناعة الذاتية على القدرة الإنجابية لبعض السيدات. ومن أكثر أمراض المناعة الذاتية شيوعًا، ما يلي:

  • مرض السكري من النوع الأول: حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المسئولة عن إنتاج الإنسولين مما يتسبب في ارتفاع مستوى السكر في الدم مسبباً مضاعفات خطيرة.
  • التهاب المفاصل الروماتويدي: وفيه يهاجم الجهاز المناعي الطبقة المبطنة للمفاصل مسببة تورم واحمرار المفاصل وصعوبة في الحركة، وربما ينشأ عن ذلك عجز دائم.
  • الصدفية/التهاب المفاصل الصدفي: والصدفية هي مرض مزمن يصيب الجلد حيث يحفز نشاط الجهاز المناعي خلايا الجلد على التكاثر بسرعة، مما يتسبب في ظهور مساحات حمراء تغطيها قشور فضية خاصة في في منطقة الكوع والركبة وأسفل الظهر وفروة الرأس، وقد تمتد في بعض المرضى لتصيب المفاصل بالالتهاب والتورم فيما يعرف بالتهاب المفاصل الصدفي.
  • التصلب المتعدد: حيث يهاجم الجهاز المناعي غلاف الميلانين المحيط بالخلايا العصبية مما يعوق وصول الرسائل العصبية بين الجهاز العصبي المركزي وباقي الأعضاء، وتتفاوت أعراضة ما بين شعور بالخدر في أطراف الجسم وضعف وصعوبة الحركة واختلال التوازن.
  • الذئبة الحمراء: والتي كانت تصنف قديما على أنها مرض جلدي لما لها من شكل مميز على الوجه (الفراشة الحمراء)، لكنها تعرف حالياً كمرض عضوي شديد الخطورة حيث يمكن أن يصيب أجزاء الجسم المختلفة مثل المفاصل والكلى والقلب والمخ. لذلك يعاني مريض الذئبة من آلام المفاصل والتعب المزمن والطفح الجلدي.
  • التهاب الأمعاء: حيث يهاجم الجهاز المناعي بطانة جدار الأمعاء، ومنها داء كراون والذي يصيب أي جزء من القناة الهضمية بداية من الفم وحتى الشرج، والتهاب القولون التقرحي الذي يصيب فقط بطانة الأمعاء الغليظة والمستقيم
  • مرض أديسون: الذي يصيب الغدة الكظرية المسئولة عن إنتاج هرمون الكورتيزول والألدوستيرون والأندروجين، مما يتسبب في نقص هذه الهرمونات في الجسم وآثارها السلبية، فنقص الكورتيزول يضر بطريقة تعامل الجسم مع المواد الكربوهيدراتية والجلوكوز وتخزينه. كما أن نقص الألدوستيرون يؤدي إلى فقدان الصوديوم وزيادة البوتاسيوم في الدم.
  • أمراض الغدة الدرقية: وتحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي الغدة الدرقية مسبباً زيادة في إفرازها لهرمون الغدة الدرقية وهو ما يعرف بمرض جريفز ومن أعراضه المميزة جحوظ العينين وزيادة الإنفعال وزيادة ضربات القلب ونقص الوزن وعدم تحمل الحرارة، أو نقصاً في إفرازها لهرمون الغدة الدرقية وهو ما يعرف بمرض هاشيموتو ومن أهم أعراضه زيادة الوزن وعدم تحمل البرد والإرهاق وتساقط الشعر وتورم الغدة الدرقية والإمساك وسوء الحالة المزاجيه وجفاف الجلد.
  • متلازمة شوغرن: حيث يهاجم جهاز المناعة الغدد المسئولة عن ترطيب الفم والعينين مسبباً جفافاً شديداً بهما، وقد يمتد تأثيره إلى الجلد والمفاصل.
  • الوهن العضلي الوبيل: والذي يؤثر على استقبال العضلات للرسائل العصبية التي يصدرها المخ للتحكم في حركة العضلات مسبباً ضعف العضلات خاصة مع الحركة والتي تتحسن بالراحة، كما يمكن أن يمتد تأثيرها إلى عضلات العين والجفن والبلع. ▪️ التهاب الأوعية الدموية المناعي: حيث يهاجم الجهاز المناعي الأوعية الدموية مسبباً ضيق الشرايين والأوردة، وتختلف الأعراض حسب العضو التي أصيبت أوعيته المغذية.
  • فقر الدم الخبيث: ومعه يعاني الجسم من نوع من أنواع الأنيميا نتيجة نقص البروتين الذي يساعد الأمعاء الدقيقة على أمتصاص فيتامين ب من الطعام.
  • مرض الإضطرابات الهضمية: ومعه يعاني المصاب من عدم القدرة على تناول الطعام الذي يحتوي على الجلوتين مثل منتجات القمح وبعض الحبوب، حيث يثير الجلوتين الجهاز المناعي فيبدأ في مهاجمة الأمعاء الدقيقة.

تشخيص أمراض المناعة الذاتية

أما عن تشخيص أمراض المناعة الذاتية فهي ليست أمراً سهلاً، فهي تعتمد على معرفة تاريخ العائلة المرضي وإذا كان أحد أفراد العائلة مصاباً بأحد أمراض المناعة الذاتية، وسماع الأعراض التي يشكر منها المصاب بمنتهى الدقة لتفرقتها عن الأمراض المشابهة لها في الأعراض ودمجها بالعلامات الظاهرة عليه، مع إجراء بعض الإختبارات الطبية مثل إختيار الأجسام المضادة للنواة وكذلك البحث عن الإصابة بالالتهاب المصاحب عادة لمعظم الأمراض المناعية.

علاج أمراض المناعة الذاتية

أما عن العلاج.. فلا يوجد علاج نهائي لأمراض المناعة الذاتية وجميع العلاجات تهدف إلى الحفاظ على المريض في حالة مستقرة وتقليل الألم والتورم والاحمرار، مثل :-

استخدام مسكنات الألم، والأدوية المضادة للالتهاب، والأدوية المضادة لنوبات القلق والاكتئاب، وحقن الإنسولين، والأدوية المضادة للأرق، والكورتيزون الموضعي لحالات التهاب الجلد والصدفية، والكورتيزون عن طريق الفم لتثبيط المناعة والجلوبيولين المناعي عن طريق الوريد وبعض الأدوية البيولوجية.

البعض يلجأ إلى تنقية الدم من الأجسام المضادة على فترات. كما يساعد تناول الغذاء الصحي المتوازن وممارسة الرياضة على تقليل الالتهاب المصاحب للأمراض المناعية.

ختاماً..

أن أمراض المناعة الذاتية هي مجال للبحث المكثف خاصة مع تنوعها الشديد وتشابه أعراضها مع أمراض أخرى، ولمعرفة متى يتجاوز الضغط الواقع على أجسامنا قدرة جهازنا المناعي على التعامل معه، لعل ذلك يكون مفتاحاً للوقاية من أمراض المناعة الذاتية قبل أن تتطور.

دكتورة/ منال محمد السيد دكتوراة في علم المناعة المركز القومي للبحوث.

[email protected]


اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 15 =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مجلة رؤى

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading