في مدينة عريقة تدعى تمبكتو ، ومن بين ركام إمبراطورية مالي القديمة برزت مخطوطات تمبكتو ، تروي هذه المخطوطات قصة مختلفة عن قصة المستعمر الأوروبي ، قصة مدينة كانت يوماً منارة للعلوم و المعارف وعن طريق حرير يربط بين شمال الصحراء وجنوبها وبين شرق القارة وغربها ، هذا الطريق كانت سلعته الرئيسية الملح وكتب الأدب والعلوم الطبيعية والإسلامية.
في الماضي روى لنا المستعمر الأوروبي قصة ، عن إفريقيا البدائية التي لم يعرف أهلها يوماً سوى عبادة الأوثان وستر عوراتهم بأوراق الشجر وأكل لحوم البشر حتى أتى السيد الغربي فعلمهم المدنية والحضارة – قصة رواها لنا فصدقناه- لكن وسط صحراء مالي ظهر كنز مدفون باح لنا ببعض من أسراره .
مدينة تمبكتو
تمبكتو هي مدينة عريقة تقع في مالي شمال نهر النيجر ، وهي العاصمة الثقافية و التراثية لمالي والدرة المكنونة لمخطوطات عصر ما قبل الاستعمار الأوروبي في أفريقيا .
ولهذه المدينة العريقة حظ من اسمها حيث اشتق اسم تمبكتو من كلمتين تن بكتاوان وتعني حافظة الأمانات بلغة التماشق ( لغة محلية) حيث كانت هناك امرأة طارقية ( من قبيلة الطوارق ) تعيش في منطقة معزولة وكانت القوافل تودع الأمانات والودائع لديها .
وعلى الرغم من كون مدينة تمبكتو اليوم تعاني الفقر و الإهمال وضعف البنية التحتية إلا أنها حافظت على تاريخها العريق عبر مخطوطات سطرت لنا قصة حضارة شامخة قامت في تلك البقعة من إفريقيا .
كثيرا ما كان يستشهد بتمبكتو على أنها رمز لأبعد مكان على الأرض وكمقصد غامض وغريب وبعيد المنال أيضا خصوصاً في المخيلة الغربية . إلا أنها، من دون شك، مدينة حقيقية ذات تاريخ غني وإرث متنوع وماض ساحر. إذ تعد المدينة والمناطق المحيطة بصحرائها أرشيفا من النصوص المكتوبة بخط اليد، سواء باللغة العربية أو بلغات أفريقية مكتوبة بحروف عربية، والتي تعود إلى الفترة ما بين القرن الثالث عشر والقرن العشرين.
اشتهرت تمبكتو في أوجها بجانب كونها مدينة تجارية بكونها مدينة العلم حيث كان عدد سكانها 100 ألف ربعهم من الدارسين و المتعلمين . العديد من المخطوطات أتت من الأندلس عبر المغرب و استقرت في تمبكتو عقب طرد المسلمين من هناك. وهناك العديد من المخطوطات التي أتت من غدامس الليبية والقاهرة و مكة . واليوم لدى تمبكتو أكثر من ثمانين عائلة تملك مكتبات خاصة من المخطوطات .
مخطوطات تمبكتو
مخطوطات تمبكتو هي أكثر من 700 ألف من الوثائق العلمية والنصوص الدينية والكتب المكتوبة باللغة العربية ولغات محلية أخرى أغلبها كتبت بالحرف العربي، والتي تم العثور عليها في مدينة تمبكتو المالية. تعود المخطوطات إلى القرن الثالث عشر وتقدم نظرة ثاقبة للثقافة والأدب الإسلامي في إفريقيا.
قام بتجميع المخطوطات مواطنين وعلماء وكتبة تحت حكم السلالات الإسلامية المختلفة مثل إمبراطورية مالي وإمبراطورية سونغهاي وخلافة سوكوتو.
تشمل المخطوطات مواضيع مختلفة مثل علم الفلك والتنجيم والجغرافيا والرياضيات والطب والعلوم الدينية. وتوفر مخطوطات تمبكتو مورداً قيماً للمؤرخين الذين درسوا التاريخ الأفريقي خلال هذه الفترة الزمنية.
اهتم أهالي المدينة بحفظ التراث المكتوب لكن مع إجبار المستعمر الفرنسي الناس على استخدام الفرنسية تراجعت قدرة الأجيال الجديدة المتعلمة على فهم المخطوطات المكتوبة بالعربية وبلغات أخرى مما جعل الكثير منها يتم إهماله ويذهب طي النسيان . للأسف فإن أغلب المخطوطات في وضع مزري ومهدده من العواصف الرملية والنمل الأبيض والحرائق.
وللحفاظ على ما بقي من هذا التراث العريق قام بعض الأهالي بتحويل منازلهم إلى مكتبات قاموا بتجميع المخطوطات فيها للحفاظ عليها وكوسيلة لكسب الرزق عبر التعاون مع المراكز البحثية المختلفة.
بالرغم من وجود بعض المبادرات الغربية ، إلا أن أمناء مكتبات تمبكتو يشتكون من غياب الدعم العربي والإسلامي لفرز و تحقيق والحفاظ على المخطوطات على الرغم من أن الكثير منها مكتوب باللغة العربية ويمثل تراثاً عربياً وإسلامياً ثميناً .
إن مكتبات تمبكتو المختصة بالمخطوطات ما هي إلا مخزن كبير للإنتاج العلمي والمعرفي في غرب وصحراء إفريقيا. والتي لا يزال الكثير منها مجهولاً إلى حد بعيد. وعليه، فإن مجموعة المخطوطات الموجودة في تمبكتو لا تستحق الدراسة الوثيقة فحسب، بل هي نقطة انطلاق هامة للتفكير في التقاليد الإفريقية والإسلامية المكتوبة. وقد رصدت العديد من الكتب و المواد المرئية جوانب الحياة قديماً وحديثاً في تمبكتو وكنز مخطوطاتها الذي لا ينضب .
اترك تعليقاً