الآثار القاتلة للفركتوز-الجزء 2
الفركتوز والكبد الدهنية
بقلم الدكتور جاسون فنج
استشاري امراض الكلية
تورنتو. كندا
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
يرتبط الفركتوز بشدة بالسمنة وداء السكري أكثر من الجلوكوز . لا يمتلك الفركتوز ولا الجلوكوز من منظور علم التغذية أية مغذيات أساسية. يتشابهان كمحليان ولكن الفركتوز أكثر حقداً على الصحة البشرية من الجلوكوز نظراً لإستقلابه المتفرد ضمن الجسم.
يختلف استقلاب الجلوكوز والفركتوز من نواح عديدة. إذ تستطيع كل خلية في الجسم استخدام الجلوكوز من اجل الطاقة بينما لا يوجد خلية قادرة على استخدام الفركتوز.وعند دخول الفركتوز للجسم لا يتمكن أحد سوى الكبد من استقلابه . وبينما ينتشر الجلوكوز عبر الجسم للإستخدام كطاقة يستهدف الفركتوز الكبد كصاروخ موجه.
عند استهلاك كميات كبيرة من الجلوكوز تنتقل عملياً إلى كل خلية في الجسم مما يساعد على توزيع الحمولة. وتستطيع انسجة الجسم الأخرى- عدا الكبد- استخدام 80% من الجلوكوز المأكول.
تأخذ كل خلية في الجسم بما في ذلك خلايا القلب والرئتين والعضلات والدماغ والكليتين حاجتها من هذه المائدة المفتوحة حد الإشباع وتترك ال 20% المتبقية من الجلوكوز للكبد.
يتحول معظم هذا الجلوكوز إلى جليكوجين للتخزين مما يترك كمية قليلة منه كركيزة لانتاج دهون جديدة.ولكن الشئ ذاته لا يسري على الفركتوز. تذهب كميات كبيرة من الفركتوز المستهلك مباشرة إلى الكبد لإنه لا يوجد خلايا قادرة على استهلاكها أو استقلابها مما يضع ضغطاً كبيراً على الكبد.
وقد تكون مستويات الكربوهيدرات والأنسولين هنا أعلى بمعدل 10 أضعاف من أجزاء أخرى من جهاز الدوران. ولذلك يتعرض الكبد لمستويات أعلى من الكربوهيدرات – كليهما الفركتوز والجلوكوز أكثر من أي عضو آخر.
وهذا كالفرق بين من يضغط بمطرقة او بإبرة. يتوجه الضغط كله نحو نقطة وحيدة . يقدم السكروز كميات متساوية من الجلوكوز والفركتوز . وبينما يستقلب الجلوكوز من قبل انسجة الفرد الذي يزن 77 كغ يتوجب إستقلاب كمية مماثلة من الفركتوز ببسالة من قبل كبد لا يزن سوى 2.2 كغ.
ويعني ذلك من الناحية العملية ان احتمال تسبب الفركتوز بالكبد الدهنية (وهي المشكلة الأساسية في مقاومة الأنسولين) يزيد ب 20 ضعفاً بالمقارنة مع الجلوكوز بمفرده.ويفسر ذلك سبب تحمل الكثير من المجتمعات البدائية لإنظمة غذائية مرتفعة الكروهيدرات دون الإصابة بفرط انسولين الدم hyperinsulinemia او مقاومة الأنسولين.
يستقلب الكبد الفركتوز إلى جلوكوز ولاكتوز وجليكوجين ولا يوجد حدود لنظام استقلاب الفركتوز هذا وكلما أكلت أكثر إستقلبت أكثر وعندما تمتلئ مخازن الجليكوجين المحدودة يتحول الفركتوز الفائض مباشرة إلى دهون كبد عبر عملية استحداث الدهن من جديد de novo lipogenesis .
قد يرفع زيادة إطعام الفركتوز عملية استحداث الدهن بمعدل خمسة أضعاف كما ان استبدال الجلوكوز بكميات متساوية السعرات الحرارية من الفركتوز نسبة دهون الكبد بمقدار 38% خلال ثمانية أيام فقط. وهذه الكبد الدهنية بالذات هي ما يفضي إلى مقاومة الأنسولين.
تعتبر نزعة الفركتوز للتسبب بالكبد الدهنية متفردة بين الكربوهيدرات . تسبب الكبد الدهنية مقاومة الأنسولين مباشرة مما يستبدأ الدورة الشريرة من فرط انسولين الدم – مقاومة الأنسولين.
علاوة على ذلك لا يتطلب هذا الأثر الضار للفركتوز إرتفاعاً في مستوى جلوكوز الدم أو أنسولين الدم ليأتي على الأخضر واليابس. كما ان هذا التأثير التشحمي- بما انه يفعل فعله عبر الكبد الدهنية ومقاومة الأنسولين- لا يرى على المدى القصير ولكن فقط على المستوى البعيد.
يشبه استقلاب الايثانول(الكحول) استقلاب الفركتوز . تستطيع النسج لدى استهلاك الكحول استقلاب 20% من الكحول وتترك ال 80% المتبقية لتذهب مباشرة إلى الكبد حيث تستقلب إلى الاسيتالديهيد(ألدهيد خلي)acetaldehyde مما يحفز عملية استحداث الدهن من جديد. وخلاصة القول ان الكحول يتحول ببساطة إلى دهون كبد.
ومن المعلوم ان الإفراط في استهلاك الايثانول هو سبب معلوم للكبد الدهنية وبما ان الكبد الدهنية خطوة حساسة نحو مقاومة الأنسولين فإنه ليس من المستغرب ان يكون زيادة استهلاك الايثانول عامل خطورة نحو تطور التناذر الاستقلابي metabolic syndrome. .
الفركتوز ومقاومة الأنسولين Fructose and insulin resistance
اكتشفت حقيقة تحريض زيادة استهلاك الفركتوز لمقاومة الأنسولين منذ عام 1980.
أظهر الأشخاص الأصحاء الذين تناولوا 1000 سعرة حرارية إضافية في اليوم من الفركتوز تدهوراً بنسبة 25% من مقاومة الأنسولين لديهم بعد سبعة أيام فقط بينما لم يظهر الأفراد الذين تناولوا 1000 سعرة حرارية إضافية يومياً من الجلوكوز أي تدهور مماثل.
عززت دراسة حديثة أجريت عام 2009 مدى سهولة إحداث الفركتوز لمقاومة الأنسولين لدى المتطوعين الأصحاء . أعطي الأفراد 25% من سعراتهم الحرارية اليومية على شكل شراب كوول ايد Kool Aid محلى بالجلوكوز أو الفركتوز. وبينما يظهر ان هذا معدل مرتفع يستهلك الكثير من الناس هذه النسبة المرتفعة من السكر في حمياتهم.
ارتفعت مقاومة الأنسولين في مجموعة الفركتوز- وليس مجموعة الجلوكوز- بدرجة كبيرة بحيث يمكن تشخيصهم سريرياً معرضين لمقدمات داء السكري pre-diabetes
ومما يثير الإهتمام ان هذا التطور لم يتطلب سوى ثمانية أسابيع من استهلاك الفركتوز. ولا يحتاج الأمر إلا ستة أيام من إستهلاك كثيف للفركتوز لإحداث مقاومة الأنسولين وبعد ثمانية أسابيع يتحول المرء من مقدمات السكري إلى رأس الجسر.
ما الذي يحدث بعد عقود من الإفراط في إستهلاك الفركتوز؟
النتيجة هي كارثة داء السكري التي نعاني منها اليوم.
يحفز الإستهلاك المفرط للفركتوز الكبد الدهنية ويفضي مباشرة إلى مقاومة الأنسولين.
هناك شؤم يحيط بالإفراط في استهلاك الفركتوز. نعم لقد كان الدكتور لستيج محقاً. السكر سام.
عوامل السمية Toxicity factors
يعتبر الفركتوز ساماً لأسباب عديدة.أولها ان الإستقلاب لا يحدث إلا في الكبد لذلك يخزن كافة الفركتوز المستهلك كدهون مصنعة حديثاً بينما تستقلب كافة الخلايا الجلوكوز.
ثانياً يتم استقلاب الفركتوز بلا حدود . ويؤدي الفركتوز المستهلك إلى تصنيع كبدي أكبر للدهون وبالتالي دهون أكثر في الكبد.
لا يوجد مكابح طبيعية لإبطاء الإنتاج الزائد للدهون الجديدة. يحفز الفركتوز بشكل مباشر استحداث الدهن من جديد بغض النظر عن مستوى الأنسولين لإن الفركتوز الغذائي ذو تأثير شبه معدوم على سكر الدم أو مستويات أنسولين مصل الدم.
يتم تنظيم استقلاب الفركتوز بشكل أقل حدة لذلك قد يفوق مقدرة آلية التصدير لدى الكبد مما يؤدي إلى تراكم متزايد للدهون فيه.
وسوف نتحدث مستقبلاً عن كيفية محاولة الكبد تخليص نفسه من الدهون المصنعة حديثاً.
ثالثاً لا يوجد مسلك هروب بديل للفركتوز. يخزن الجلوكوز الزائد بسهولة وأمان في الكبد كجليكوجين وعند الحاجة يتفكك الجليكوجين إلى جلوكوز لتوفير مصدر ميسر للطاقة.
لا يمتلك الفركتوز آلية تخزين سهلة فهو يستقلب إلى دهون والتي لا تنعكس بذات السهولة.
ورغم ان الفركتوز سكر طبيعي وكان منذ الأزل جزءاً من الغذاء البشري يجب ان نتذكر دائماً المبدأ الأول لعلم السموم : الجرعة هي التي تصنع السم. يستطيع الجسم تحمل كمية صغيرة من الفركتوز ولكن ذلك لا يعني انه يقوى على تحمل كميات غير محدودة منه دونما عواقب صحية وخيمة.
استنتاجات Conclusions
ساد الظن بأن الفركتوز عديم الضرر نظراً لإنخفاض المؤشر السكري.
و تتجلى على المدى القصير مخاطر صحية قليلة بوضوح.
ولكن الفركتوز يكشف سميته عبر الآثار البعيدة المدى للكبد الدهنية ومقاومة الأنسولين. تقاس النتيجة على مدى عقود الأمر الذي يشرع الباب أمام نقاش محموم.
لذا يلعب السكروز أو قطر الذرة عالي الفركتوز مع كميات متقاربة نسبياً من الجلوكوز والفركتوز دوراً مزدوجاً في السمنة وداء السكري النوع الثاني. وهذه ببساطة ليست “سعرات حرارية فارغة” .
أدرك الناس أنها شئ أكثر شؤماً.
الجلوكوز هو كربوهيدرات مكرر يحفز الأنسولين مباشرة ولكن معظمه يحرق مباشرة كطاقة مما يخلف كميات ضئيلة تستقلب في الكبد. وقد يؤدي الإفراط في استهلاك الجلوكوز إلى الكبد الدهنية.
تبدو آثار الجلوكوز مباشرة في استجابة انسولين وسكر الدم.
ينتج الإفراط في إستهلاك الفركتوز مباشرة دهون الكبد والتي تؤدي مباشرة إلى مقاومة الأنسولين.
يتسبب الفركتوز بإحداث الكبد الدهنية بمعدل خمسة أضعاف إلى عشرة أضعاف عما قد يسببه الجلوكوز. ويستبدأ ذلك دورة شريرة.
تؤدي مقاومة الأنسولين إلى فرط أنسولين الدم ” للتغلب” على هذه المقاومة ولكن ذلك يرتد بالعكس لإن فرط أنسولين الدم- الذي أصبح أسوأ بسبب حمولة الجلوكوز الإضافية- يؤدي إلى مقاومة أنسولين إضافية.
يحفز السكروز انتاج الأنسولين على المدى القصير والطويل وبهذه الطريقة يكون السكروز أكثر تهديداً من النشويات التي تحتوي على الجلوكوز مثل الأميلوبيكتين . وبالنظر إلى المؤشر السكري فإن آثار الجلوكوز جلية للعيان ولكن أثر الفركتوز مخفي بشكل تام.وضللت هذه الحقيقة العلماء عن دور السكر في السمنة.
تتقيح الآثار الإضافية المسمنة لمقاومة الأنسولين لسنوات أو عقود قبل ان تتجلى بوضوح.
وتفقد دراسات الإطعام على المدى القصير هذا التاثير بشكل كامل.
استنتجت دراسة منظمة حديثاً من خلال تحليل العديد من الدراسات التي استغرقت أقل من اسبوع ان الفركتوز لا يظهر أي تأثير خاص بإستثناء محتواه من السعرات الحرارية ولكن آثار الفركتوز والسمنة تتطور وتتراكم عبر عقود وليس أسابيع وإذا حللنا دراسات المدى القصير نقع بذات الخطأ ونستنتج بشكل مماثل ان التدخين لا يسبب سرطان الرئة.
كان تخفيض السكاكر والحلويات دائماً الخطوة الأولى نحو تخفيف الوزن في كافة الحميات عبر التاريخ.
فالسكروز ليس مجرد سعرات حرارية فارغة أو كربوهيدرات مكررة. إنه أشد ضرراً لإنه يحفز الأنسولين ومقاومة الأنسولين بشكل متزامن.
عرف اسلافنا هذه الحقيقة على الدوام وإن لم يعرفوا الفيزيولوجيا.
حاولنا إنكار ذلك طوال 50 عاماً من إفتتاننا بالسعرات الحرارية وفي خضم محاولتنا صب لوم كل شئ عليها عميت أبصارنا عن الخطر الكامن وراء الإفراط في إستهلاك الفركتوز.
ولكن لا يمكن تجاهل وإنكار الحقيقة إلى الأبد وكان ثمن ذلك باهظاً.
لقد دفعنا ثمن عواقب السعرات الحرارية وباءً مزدوجاً تمثل في السمنة المفرطة وداء السكري النوع الثاني .ولكننا اعترفنا أخيراً بالآثار المشحمة للسكر ثانية. لقد كانت حقيقة مكبوتة على مدى طويل.
لذلك اصغى العالم بإهتمام جذل عندما ألقى الدكتور لستيج محاضرة على مسرح معزول عام 2009 وأعلن ان السكر سام. لإن بروفسور الغدد الصم كان يحدثنا عن شئ نعرفه بفطرتنا السليمة.ورغم كل التأكيدات والبديهيات التي تقول لا ضرر من السكر أدرك العالم من جوف أعماقه الحقيقة الساطعة. السكر سام.
The Deadly Effects of Fructose- part 2
Fructose and fatty liver
By: Dr. Jason Fung. M.D.
Nephrologist
Toronto. Canada.