عانى الروس وعلى مدى مئات السنين من ثلاثة مشاكل أعاقت تقدمهم ، هذه المشاكل ترتبط مباشرة بالموقع الجغرافي والظروف المناخية ، فمعظم أراضيهم متجمدة و قاحلة و غير مهيأة للزراعة أو السكن كما أن معظم سواحلهم مغطاة بالجليد أغلب العام مما يحد من اتصالهم بالعالم .
من المحتمل أن يتغير هذا حيث قد تتحول روسيا بسبب التغيرات المناخية إلى قوى عظمى مجدداً . فالتغيير المناخي سيجعل من الشمال منطقة أكثر ازدهاراً وأكثر قابلية للحياة وستكون البلدان الجنوبية أكبر خاسر من هذه الظاهرة.
من الملاحظ أن أكثر بلدان الكوكب انتاجية هي التي تكون درجة حرارتها ما بين 11-15 مئوية هذا النطاق يشمل أوروبا و الأناضول ومعظم الأراضي الأمريكية و الصينية و اليابان . وأي زيادة او انخفاض في هذا النطاق معناه انتاجية أقل .
يعتقد أن هذا النطاق ربما سيحدث له إزاحة إلى الشمال حيث تقع روسيا و ألاسكا و كندا وجرينلاند و أيسلندا واسكندنافيا . لا أحد من هؤلاء في وضع أفضل جغرافيا لاستغلال هذا الوضع من روسيا . فهي من تسيطر على أكبر قدر من الأراضي في شمال الكرة الأرضية و ما يحيط به من محيط متجمد .
سيبريا
أكثر المستفيدين من هذا الوضع سيكون إقليم سيبيريا تلك المنطقة الشاسعة المتجمدة سيئة السمعة ، والتي تمثل الغالبية العظمى من إجمالي أراضي روسيا ، متوسط درجة الحرارة السنوية عبر هذه المنطقة اليوم نصف درجة مئوية فقط ، وتعد أبرد مكان مأهول على هذا الكوكب حيث تنخفض الحرارة في بعض المناطق إلى -71 درجة مئوية . و نتيجة لهذا ظلت سيبيريا غير مأهولة لعدة قرون و اليوم يعيش فيها 33 مليون شخص فقط هم خمس إجمالي سكان روسيا .
و مع ذلك فسيبريا هي مكان غني بالموارد ربما أكثر من أي مكان آخر على الكوكب من موارد معدنية كالزنك والحديد والفضة والنيكل والنحاس و الفحم و اليورانيوم و الذهب و الماس والعناصر النادرة بالإضافة للنفط و الغاز .
روسيا ستكون أكثر قدرة على نحو متزايد ومع تحسن الظروف على التعدين بشكل أكبر ومع الاحتياطيات الضخمة التي تملكها فسينتعش اقتصادها حتماً بشكل كبير .
الموقع الجغرافي المميز لروسيا سيمكنها من مد الغاز الطبيعي مباشرة إلى كل من أوروبا وآسيا في الوقت ذاته مما يعطيها نفوذاً كبيراً خاصة مع وجود احتياطيات هائلة من الغاز في سيبريا .
الغذاء
تحسن الظروف المناخية في روسيا وزيادة الدفء سيترتب عليه أيضاً زيادة كبيرة في الرقعة الزراعية ، فلو علمنا أن الروس هم أكبر مصدر في العالم لكل من الشعير القمح و ربع إنتاج الشوفان في العالم يمكننا تخيل مقدار الوفرة الغذائية التي ستحصل عليها روسيا .
اقترحت تقديرات نشرها فريق روسي من علماء البيئة في عام 2019 أنه إذا استمر انبعاث ثاني أكسيد الكربون بمعدلات عالية فإن ما يقرب من نصف سيبيريا أو أكثر من 2 مليون ميل مربع يمكن أن تصبح متاحة للزراعة في 2080 وقدرتها السكانية البشرية يمكن أن تقفز حتى تسعة أضعاف ما هي عليه اليوم . ربما تصبح روسيا في المستقبل المرشح الأول للاجئي المناخ الذين سيلجأون إليها من بقية دول آسيا .
لن تتأثر بارتفاع منسوب البحر
سكان روسيا الحاليين ليسوا عرضة للتأثيرات من تغير المناخ فمعظم الكتلة السكانية و المدن الكبرى في روسيا هي في مناطق بعيدة عن السواحل بعكس معظم البلدان الأخرى .
من بين أكبر 30 مدينة داخل روسيا ثلاثة مدن فقط تقع على ساحل البحر و هي بطرسبرغ ، فلاديفوستوك وماكاتشيكالا بينما الـ27 مدينة الأخرى جميعهم مدن داخلية بما في ذلك العاصمة وأكبر مدينة موسكو التي تبعد أكثر من 600 كيلومتر من أي مسطح مائي محيطي وهكذا تصبح روسيا بشكل طبيعي البلد الرئيسي الأقل تأثراً في العالم من ارتفاع مستويات سطح البحر .
بالرغم من امتلاك روسيا رابع أطول خط ساحلي في العالم والذي يزيد طوله عن 50 بالمائة من ساحل الولايات المتحدة فلقد أصبحت روسيا فعليًا غير ساحلية ومعزولة عن محيطات العالم خلال معظم تاريخها لأن معظم هذا الخط الساحلي الطويل مغطى بالجليد على الأقل بضعة أشهر من العام .
وعلى الرغم من استخدام روسيا لكاسحات الجليد والتي تبلغ 31 كاسحة إلا أن هذا الحل مكلف اقتصادياً و غير مستديم و لا يمكنه تغطية مساحات كافية . فلعنة الجليد منعت روسيا من الوصول إلى محيطات العالم و ما يترتب على ذلك من فوائد تجارية و سياسية .
ظروف جديدة
هذه الظروف التي عانت منها روسيا ربما تكون على وشك التغير اليوم فتغير المناخ قد يجعل القرن القادم قرناً روسياً بامتياز.
مع الاحتباس الحراري وذوبان جليد القطب الشمالي بسرعة حيث حقق ثاني أدنى مستوياته في العام 2019 . من المحتمل أن يكون القطب الشمالي بالكامل تقريبًا خالياً من الجليد خلال معظم فصول الصيف المتأخرة
خلال عقد واحد ربما يذوب ما يكفي من جليد الشمال ليكون هذا أضخم نعمة لروسيا لأن طريق البحر الشمالي سيصبح مفتوحاً للملاحة وهو ما سيختصر المسافة والوقت من شنغهاي إلى أكثر موانئ أوروبا ازدحاماً روتردام إلى ما يقرب من النصف مقارنة باستخدام لطريق قناة السويس وسيوفر نفقات هائلة على كل من روسيا والصين.
ومع مرور تلك السفن حصراً بالمياه الإقليمية الروسية فإنها قد تجني أرباحاً هائلة كرسوم عبور و دعم لوجيستي وسيسحب هذا البساط كلياً من قناة السويس خصوصاً إذا علمنا أن معظم حركة الملاحة في قناة السويس تكون آتية من الصين .
سيسهل أيضاً لروسيا و الصين مد كابلات الألياف البصرية عالية السرعة بينهما و بين أوروبا مما سيسهم في سد الفجوة الرقمية مع أوروبا . باختصار لن تعود روسيا حبيسة سواحلها كما كانت من قبل .