درج عموم الناس على الخلط بين أمرين هما الكبرياء و الكرامة و شتان بينهما فالكرامة كلمه تخص بني البشر و لا يصح إستخدامها في وصف الجمادات أو الأشياء الرمزية لإن معناها ببساطه هو تكريم الله للإنسان مصداقاً لقول ربنا جل وعلا
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا. [الإسراء:70].
و التمسك بهذا التكريم أمر واجب و لا يجب لإنسان أن يفرط في كرامته لأنها منحة منحه الله إياها و لا يجاز لكائن حي أياً ما كان أن يسلبها منك و إلا أعتبر ذلك تفريطاً في الحق الإلهي الذي منحك الله إياه. إن الإعتداء على البشر بحجة أن هذا إنقاذ لكرامة جمعية مثل كرامة الدولة أو كرامة المؤسسة هو باطل لاحق فيه . أما الكبرياء فهي كلمة مشتقة من الكبر و هو خلق ذميم وصفه رسولنا الكريم في الحديث الشريف
“الكبر بطر الحق وغمط الناس”
فالكبر مقسم لقسمين : كبر على الحق، وكبر على الخلق , و هو من أخطر ما يمكن أن يتصف به إنسان , وهناك حديث لا يلتفت له الناس كثيراً بالرغم من كونه خطير للغاية و هو حديث
“لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”
مثقال ذرة لا يدخلك الجنة ! أي ذنب هذا الذي يفوق جزاءه سائر الذنوب ! ذنب خفي لا تراه العين و لا تدركه الأبصار و لا يطلع عليه أحياناً سوى شخص واحد هو صاحبه !!
راجع كل نص كل حديث كل آية من القرآن لن تجد ما هو أخطر من ذلك الحديث و يكفي أن تعلم أنه كان سبب طرد إبليس من رحمة الله تعالى
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
ثم تبعه طرد أبينا آدم من الجنه حينما غره الشيطان
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
ثم كان سبباً في أول جريمة قتل في التاريخ
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
و سبب في كفر فرعون و حاشيته بالحق
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
الي آخر الأمثلة التي يعج بها القرآن الكريم في مواجهة هذه الخصلة الذميمة والمتأمل في حال الكبر و المتكبرين ( نسأل الله ألا يجعلنا منهم) يجده أصل كل الشرور و سبب كل خطيئة فمنه يأتي الظلم و منه يأتي القتل بغير الحق و منه يأتي الشرك .
وإن من عجب أن تجد بلادنا العربية مرتعاً للكبر و الإعتداء على كرامة البشر معاً تحت عدة ذرائع وطنية أو قومية أو عشائرية أو حتى دينية كما يدعي البعض ! و العجيب أيضاً أنه من أسهل الذنوب تبريراً فتجد المتعالي بقومه يراها عزة للأهل أو العشيرة أو الوطن، وتجد المتعالي بتدينه يراها رفعة للدين أي دين !
إن المقياس الحقيقي لتحضر الأمم يقاس بمدى صيانتها لكرامة الإنسان بصرف النظر عن لونه أو جنسه فبينما لا تجد في الأمم المتحضرة نظاماً يستعبد البشر بغير حق دون تجريم، تجد في الدول العربية نظاماً مثل الكفالة والذي للعجب لا يطبقه سوى المسلمين العرب على نظرائهم فقط !
وايضاً تعجب من النزعات القومية والوطنية والدينية المتطرفة بشكل بغيض فتجد القتل على الهوية و الإعتداء بالشبهة والإحتكام إلى هوى النفوس بشكل لن تصدق معه أن تلك الأخلاق صادرة من أمة هي أولى الناس بأن تبتعد عنه مع كل التحذيرات التي سبق ذكرها من مثل هذا السلوك الذميم
والحادثة التاريخية في عهد رسول الله معروفة فحين دعا نفر من المنافقين الأوس والخزرج إلى التقاتل – :
” يا معشر المسلمين الله الله َ أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم ”
و في حديث آخر وصف كل تلك النعرات القبلية و القومية و العشائرية بالمنتنة
” دَعُوهَا فِإنَّهَا مُنْتِنَةٌ” .
إذا كان الأمر بمثل تلك الخطورة ألا يستحق ذلك أن نعرض على أنفسنا على جهاز كشف الكذب يومياً لنتأكد من دوافعنا لما نقول ونفعل لنتأكد أنها ليست بدافع ذنب ذرة منه كافية لتجعل وجودنا جحيماً فوق التراب و تحت التراب؟
اللهم احفظنا من كل شيطان مريد.. ومن كل جبار عنيد.. ونعوذ بك يا ربنا من الكبر والغرور..
اللهم نجنا من الكبر والغرور.. ومن قول الزور..
نعوذ بك من قول الزور.. ومن كل فتنة تمور.. ونعوذ بك من ظلمة القبور
دمتم بود