أصبحت العديد من الدول مهتمة بإلقاء كميات ضخمة من الهياكل الحديدية على حافة بعض من شواطئها و الغريب فإن تلك الممارسة ليست بالممارسة البيئية السيئة فبعكس المتوقع تساهم هذه الممارسة في المساعدة على تحقيق توازن في البيئة البحرية من خلال تحولها لشعاب مرجانية صناعية تكون مأوى للأسماك و العديد من الكائنات البحرية .
نمت فكرة إنتاج شعاب مرجانية صناعية كبديل للنهاية المؤسفة التي قد تلحق بما تبقى من الشعاب المرجانية الطبيعية و التي ربما تكون في طريقها للإختفاء في المائة عام القادمة بسبب العديد من الظروف المناخ المتغيرة و المتسارعة. و يطلق على الشعاب المرجانية الصناعية أيضاً أسماء مثل الشدود أو الحيد البحري الإصطناعي .
الشعاب المرجانية و الموت البطيء
عام بعد عام يتزايد الإحتباس الحراري و ترتفع درجة حرارة البحار و المحيطات كما أن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في مياه البحار و المحيطات أدت إلى زيادة حموضتها بشده مما يهدد أحد أكثر الكائنات الحية على وجه الأرض جمالاً و أكثرها فائده للتوازن الحيوي و هي الشعاب المرجانية الطبيعية .
وبسبب زيادة حموضة البحار و المحيطات أصبحت الشعاب المرجانية الطبيعية مهددة بالخطر فالهياكل المرجانية أصبحت و معرضة للذوبان بسبب تلك الزيادة في الحموضة..العملية تشبه إلى حد كبيرما يحدث مع الأسنان عندما تشرب شيئا حلوا أوحامضا فيبدأ ما شربته في مهاجمة الأجزاء المكشوفة من الأسنان..هذا بالظبط هو ما يحدث مع الشعاب المرجانية و كنتيجة لإرتفاع حموضة المحيطات تصبح ضعيفة ومهترئة وفي النهاية تموت. وفقا للباحثين، فإن حموضة المحيطات ارتفعت بنسبة 26٪ مقارنة بعصور ما قبل الصناعة. وإذا لم تنخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، قد تبدأ الشعاب المرجانية الطبيعية بالإنقراض بعد قرن من الزمن. و بالإضافة إلى ذلك فإن عوامل مثل التلوث تؤدي إلى زيادة نسبة الإهلاك في الشعاب المرجانية الطبيعية .
ليست المشكلة في الحموضة فحسب بل إن درجات حرارة الأرض سوف ترتفع بشكل ملفت للنظر فى الأعوام القادمة وذلك سوف يؤدى هذا لإضطرابات فى النظام البيئي وعمليات إنقراض جماعية لبعض الأنواع مثل : الطحالب والمرجان والشعاب المرجانية .
شعاب مرجانية صناعية
تقوم الولايات المتحدة و اليابان و بعض دول شمال البحر المتوسط بالتخلص من المخلفات التي عفا عليها الزمن أو إنتهت مهمتها مثل السفن و الطائرات و الدبابات و التي يتم إلقاءها في عرض البحر لصناعة شعاب مرجانية إصطناعية لتعزيز التنوع البيولوجي و حماية الأسماك الصغيرة و منع الصيد الغير قانوني بشباك الجر.
بالإضافة إلى هذا تعزز الشعاب المرجانية الصناعية تنمية قطاع السياحة و الغوص في تلك المناطق و التي تتحول لمناطق جذب سياحي بما تحوية من تنوع بيئي متميز. شاهد دولة تايلاند تضحي ببعض من دباباتها من أجل بناء تنوع حيوي في البحر فقد ألقت الحكومة التايلاندية 25 دبابة من دبابات الجيش القديمة و 273 عربات القطار القديمة و 198 شاحنة قمامة في البحر الجنوبي لتهيئة الشعاب الاصطناعية .
وقد بدأ المشروع من قبل الملكة التايلاندية لتحسين النظم الإيكولوجية البحرية و زيادة الثروة السمكية في المنطقة من خلال إنتاج 72 من الشعاب المرجانية الصناعية الجديدة. أتى هذا تلبية لرغبة الصيادين المحليين في المحافظات الجنوبية المضطربة الذي طلب منها المساعدة في أعقاب انخفاض نسبة الأرصدة السمكية بسبب الإفراط في الصيد.
عربياً قامت الأردن للغرض ذاته بإغراق سفينه ثم دبابة بغرض الجذب السياحي و تنمية الشعاب المرجانية في منتزه العقبة البحري و أيضاً قامت سلطنة عمان بإغراق أطنان من الخراسانات هرمية الشكل لتنمية شعاب مرجانية جديدة و في لبنان تبرع الجيش اللبناني ب12 عربه و ثلاث دبابات لإنشاء شعاب مرجانية صناعية في منطقة العبدة شمال لبنان .
أظهرت البحوث ورصد الشعاب المرجانية الاصطناعية أن أفضل المواد المستخدمة حتى الآن هي دبابات الجيش والسفن الكبيرة المصنوعة من الفولاذ الصلب والمقشر. إنّ جلب، وإعداد، واستخدام المعدات العسكرية لبرامج الشعاب المرجانية الصناعية ركزت على المعدات الثقيلة (أكثر من 10 طن)، والجوالة، والمدرعة، ذات المتانة العالية والمستقرة التي عفا عليها الزمن.
فالمركبات العسكريّة التي اخرجت من الخدمة مثلاً يمكن استعمالها لبناء الشعاب المرجانية الصناعية من أجل انشاء مواطن طبيعية جديدة للأسماك والكائنات البحريّة الأخرى. من هذا المنطلق .
ومن أجل تلبية المتطلبات الأساسية لخدمة الاحياد البحرية الاصطناعية، يجب على المواد تلبية أبسط معايير الاحياد البحرية الاصطناعية الطبيعية بحيث تكون صلبة، ونظيفة من الملوثات، وتؤمّن جانباً مرتفعاً ومناسباً. وتمّ إعداد مبادئ توجيهيّة أساسيّة لتحضير الآليّات العسكريّة المهجورة لإنشاء الاحياد البحريّة الاصطناعيّة.
إضافة الى ذلك، يجب نشر الآليات على أعماق تتراوح ما بين 25 و35 متراً على أن تكون في حوالى ثلث عمق الماء. ومن أهمّ شروط إنشاء الاحياد البحرية الاصطناعيّة، أن تكون أعلى نقطة فيها على عمق يتراوح بين 20 و25 متراً من سطح الماء.
الشعاب المرجانية و أهميتها
نتيجة للتعقيدات التركيبية ، فإن المرجانيات واحدة من أكثر الأنظمة الإحيائية إنتاجاً على سطح الخليقة ونتيجة لذلك فهى تقدم الكثير من الخدمات بما فيها مصائد الأسماك حماية السواحل والسيادة وكذلك العلاج .
وعلى الرغم من أهميتها وقيمتها الظاهرة ، فإن 58% من الشعاب المرجانية فى العالم ربما تكون مهددة جراء الأنشطة البشرية مثل تطور السواحل والإستغلال المفرط للمنتجات البحرية .
وقد ظهرت فى عام 1998 من أن الشعاب المرجانية فى أنحاء العالم قد عانت من أشد وأقسى عمليات التبيض وبالتالى الفناء وفى نفس العام سجلت أعلى درجات الحرارة ما كانت عليه فى الخمسين عاماً المنصرمة.
النظام البيئى للشعاب المرجانية
تعتبر الشعاب المرجانية واحدة من بين أكثر الأنظمة الإحيائية تأثراً بالتغيرات المناخية طويلة الأمد والمرجانيات حيوانات صغيرة وكثير منها يعيش فى مستعمرات هائلة , تحصل على تغذيتها وطاقتها من طحالب تسمى الحيمين الأصفر zooxanthellae تستوطن خلاياها بالألاف وتتميز هذه الطحالب بألوانها الذهبية وخليط من الصبغات الأخرى والتى تمنحها الى معيلها المرجان ( والذى عادة ما يكون بنسيج شفاف ) هذا ويعمل المرجان والطحالب بتعاون لإنتاج هياكل كلسية وعلى مدى مئات السنين تتجمع الهياكل الكلسية لتشكيل إطاراً وقاعدة للشعاب المرجانية.
أهمية الشعاب المرجانية
تعتبر المرجانيات واحدة من بين أكثر الأحياء إنتاجية على وجه الأرض ومعظم هذه الإنتاجية مشتقة من التركيز الأساسى للأحياء البحرية فيها حيث تحتوى على ما يعادل مليون نوع وهناك أنواع كبيرة من الأسماك والعضويات تعيش على الشعاب.
1- مورد و مزار سياحي
فحيث توجد الشعاب المرجانية يمكن الحصول على دخل مادى جيد من السياحة ، إذ يأتى الناس من جميع أنحاء العالم لرؤية هذه الشعاب خلال عمليات الغطس والسباحة أو التشمس على الرمال المرجانية.
ويعتمد معظم سكان جزر المحيط الهادى والمحيط الهندى وكذلك الكاريبى على الدخل الذى تحققه السياحة وفى عام 1990 وحدة أضافت السياحة التى تجذبها الشعاب والأنشطة الشاطئية 89 بليون دولار الى الدخل القومى لمنطقة الكاريبى.
2- مكان لعيش الاسماك
معظم فقراء العالم يقطنون ضمن المناطق الساحلية للمناطق النامية ويعتمدون بشكل مباشر على أنواع الشعاب للحصول على حاجاتهم من البروتين وعلى الرغم من أن الشعاب تغطى أقل من 20% من مساحة المحيط ، الا أنها تحتوى على 25% من أنواع الأسماك البحرية ، فالأسماك تحتمى بالشعاب وتستخدمها كمصدر للغذاء وأماكن للتبويض ( وضع البيض ) والشعاب المرجانية تنتج ما لا يقل عن 6 مليون طن مترى من مصائد الأسماك حول العالم كل عام وهى تقدم 0.25 من مصائد الأسماك للدولة النامية ووظائف لملايين من الصيادين ولاشك أن الدمار الذى لحق بالشعاب المرجانية قبالة السواحل الفلبينية سبب فقدان مصائد الأسماك وبخسائر تفوق 80 مليون دولار سنوياً وبالتالى فقدان ما يقرب من 127.000 وظيفة.
3- توفير الحماية للجزر واليابسة
إن خاصية الحماية التى تقدمها الشعاب هى تقليل الأثار المدمرة للعواصف والنحت الساحلى وكذلك الفياضانات التى قد تنجم عن الأمواج العاتية كما ان الشعاب هى التى تساعد على تكوين البحيرات والشواطئ الهادئة حيث تنمو الأعشاب البحرية والمانجروف
مما يخلق بيئة للكثير والعديد من الأحياء عند إلتقاء البحر بالبر .
4- إنتاج الدواء
كثير من الأدوية نحصل عليها من المحيطات والعديد منها من النظام البيئي للشعاب المرجانية وقد تم تحديد الكثير من الأدوية الواعدة وتطويرها .
مؤشرات بيئية :
نتيجة للتغيرات السريعة التي تظهر علي الشعاب المرجانية عند تعرض العديد من المرجانيات الى درجات حرارة عالية فالشعاب المرجانية ربما تعتبر من أول الأنظمة التى تدل على الضغوط الناجمة على إرتفاع حرارة الكرة الأرضية.
تبيض وموت المرجان
عندما تتعرض المرجانيات الى ضغوط محسوسة فإن التوازن المهم والذى يحافظ على علاقة التعايش مع الطحالب Algae يختفى ويضمل وربما يفقد المرجان بعض أو أغلب الطحالب رغم أنها مصادر مهمة للتغذية والتلوين وغى هذه الحالة يشار الى المرجانيات على أنها تتبيض ( تصبح بيضاء ) ، وفى الأمواج تتوقف عمليات نمو النسيج وإفراز الهياكل أيضا ، كما ان عمليات التزاوج الجنسى تتوقف والمرجانيات يمكنها أن تعيش إذا كانت الإجهادات قصيرة ولكنها تموت أذا ما استمرت لفترات طويلة ومع ذلك فإن بعض الإجهادات ربما تجعل المرجان عرضه للإصابات بالعديد من الطفيليات وأن تفشى الأمراض ربما ينجم عن موته الكثير من المرجانيات .
وبمجرد حدوث الوفيات فإن نسيج المرجان الناعم يصبح غذاءاً لبعض الحيوانات الكانسة ، مما يؤدى الى تعرية الهياكل وبالتالى الى زيادة نمو الطحالب المائية وغيرها من العوائم الطفيلية وفى العديد من الحالات حينما تقوم أعداد كبيرة من الأسماك الببغاوية parrot والديدان وقنافذ البحر بنحت الهياكل المرجانية الميته فإن ذلك يؤدى الى جعل الشعب المرجانى عرضه الى الدمار نتيجة هباب العواصف ولاشك أحداث عام 1987 و 1990 كانت إنذاراً كافياً لدرجة أن الكونغرس الأمريكى اجتمع لمناقشة هذه الأحداث وقد أبدى بعض الشهود امتعاضهم لما حدث حيث أكدوا أن عمليات التبيض تمثل خطراً شديداً على بقاء المرجان والحفاظ على الشعاب المرجانية .
كما أن آثار أحداث 1998 قد امتدت الى عمق 50 م وفى هذه المناطق عانت كل النواع من المرجانيات الرخوة والصلبة وكذلك الكثير من الطحالب اللافقارية من التبيض.
وقد تراوحت شدة التبيض ما بين مدمرة ونتج عنها موت جماعى والى الإهمال ، اذ تعرضت فى بعض الحالات الى تبيض ثم تعافت بسرعة .
لقد دلت التقديرات الأولية بأن المحيط الهندى تأثر وبشكل كبير إذ حدثت أكثر حالات الهلاك بين المرجانيات وقد شوهت أكثر من 70% منها قابلة سواحل مناطق مثل كينيا المالديف وأندامانز Andamans كما أن 75% من المرجانيات قد هلكت فى منتزه جزيرة سيشل المائى ونحو 80% فى منتزه مافيا Mafia البحرى ، ومما لاشك فيه فإن بعض المرجانيات ربما تتعافى وحتى يمكن أن تقطنها الكثير من الطحالب المقاومة للإجهادات .