من ذا الذي لا يدري كم الهدر والعشوائية الذي تتخبط فيها بلادنا العربية؟!
كلنا يدري وكلنا يتحدث وكلنا يشكو من تأثير هذا الأمر فمتي نتوقف عن الشكوى ونبدأ في طرح الأسئلة ونسعى لإجابات تغير واقعنا الحالي الذي لا يسر قريب ولا غريب، بالطبع أعلم إن إجابتك ستكون إنها إرادة سياسية وخط رسم لنسير فوقه لكن حتي هذا ليس عذراً بل هو طرح سؤال جديد، كيف نتغلب على هذه القيود؟ ليصبح السؤال الجديد، كيف نرسم مسارنا الخاص ونصنع إرادتنا الحرة مع تفادي كل تأثير وكل عائق يقف في طريقنا؟
بداية معرفتي بإستراتيجية الكايزن
كنت أحضر أحد اللقاءات عن ريادة الأعمال لأجد أن المحاضرة التي كنت اسعي لحضورها ليست كما توقعت ريادة أعمال علي يومين بل محاضرة أولي تم إقحامها كالمعتاد عن مفهوم المواطنة! تليها أخري عن ريادة الأعمال وحقيقة لا أجد فرقاً بين محاضرة تعريفية عن المواطنة ومحاضرة تعريفية عن صينية البطاطس فكلاهما من البديهيات!
وكالمعتاد أيضاً تأخر المحاضر، تجاذبت أطراف الحديث مع الشخص المجاور لي فوجدته لتوه قد عاد من المكتبة العامة وقد استعار بعض الكتب أخذت منها كتاب خواطر الشقيري وجذبني بشده وجلست أقرأه بنهم حتى جاء المحاضر، فبالإضافة إلى انه كان يحوي تفريغ لحلقات البرنامج الرمضاني الرائع للشقيري “خواطر” والذي تابعت الكثير من حلقاته إلا إنه أيضاً تحدث عن أمور عملية وأهم ما تحدث عنه هو استراتيجية الكايزن اليابانية تلك المنهجية التي غيرت حياة اليابانيين و لم يكن ما تحدث عنه صعباً بل هو أمر غاية في البساطة.
أصل كلمة كايزن
كايزن Kaizen تعني باللغة اليابانية التغيير للأفضل والكلمة مركبة من قسمين “كاي” بمعني “غيّر” أو “التغيير” و “زان” ومعناها “الأفضل” أو “الأحسن” أو “الخير” وقد بدأ تطبيق استراتيجية الكايزن في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لبناء اليابان ويعتقد أنها السر في معجزة النهضة اليابانية بعد الحرب ومن العجيب أن من سعي لتطبيقها في اليابان بعد الحرب هم الأمريكان المحتلون ومع ذلك تقبلها اليابانيون واحتضنوها وجعلوها فلسفة حياة للشعب الياباني دون غضاضه!
ما هي الكايزن Kaizen
الكايزن Kaizen هي طريقة مبتكره وفلسفة ابتكرها اليابانيون لإدارة المؤسسات الصناعية و المالية بل وسائر مناحي الحياة وتعتمد فلسفة الكايزن على التحليل والعملية والهدف منها هو تقليل الهدر في الموارد والوقت والجهد وزيادة الإنتاج وهو مفهوم مرادف للجودة بمعناها الواسع الشامل كل مناحي الحياة وتطبق استراتيجية الكايزن بطريقة الخطوات الصغيرة وليس التغييرات الشاملة المكلفة.
إتقان + إحسان
هكذا هو الأمر ببساطة إتقان للعمل الحالي وتحسين مستمر لا يتوقف وهي كلمات ليست غريبة عن أدبيات ديننا الحنيف لكن الاختلاف هنا في التطبيق ولنضرب بعض الأمثلة:
في الفلسفة الـــعـــــــــربية: الآلة تعمل ← دعها تعمل ولا تقترب منها إلا إذا توقفت فأصلحها وأقصي الجهد هو الصيانة الدورية.
في فلسفة الكايزن اليابانية: الآلة تعمل← نريدها أن تعمل بطريقة أفضل – نريد أن نقلل الجهد المبذول من العامل – نريدها أن تنتج أكثر بتعديلات بسيطة لكن دائمة وهكذا تطوير مستمر حتى لو كان الشيء يعمل بكفاءة فرفع الكفاءة ليس نفلاً بل جزء من العمل وجزء لا يتجزأ من العقلية اليابانية.
أذكر أن أحد أهم أسباب تركي لعمل الجودة السهل الذي لم يكن يتطلب مني سوي عينان تميزان الألوان والأشكال وهي أشياء يستطيع فعلها أي كائن حي (مع قناعتي أن في رأسي مخ قد يتفوق على بعض من تلك الكائنات الحية أحياناً لو طلب مني تشغيله! ) .
لا أذكر أبداً أن أحداً استدعاني ليضع أمامي مشكله ويطلب لها حلاً علمياً (ولا حتى انطلاقا من شهادة العلوم التي أحملها)، الجودة بالنسبة لهم كانت عمل روتيني وورقيات فقط وليست عمل يحمل أي نوع من التحديات وهو نفس ما واجهته خلال خدمتي العسكرية التي دامت ثلاث سنوات وهو ما أشعرني حقاً بالإحباط والتذمر.
لكن الأمر لدي من يطبقون منهجية الكايزن مختلف فهم يقومون بتحسينات صغيرة تؤدي على المدي البعيد إلى نتائج مبهرة.
يصف جون وودن” ، أحد أنجح المدربين في تاريخ لعبة كرة السلة استراتيجية الكايزن بقوله:
الكايزن هو عندما تضيف تحسينا صغيرا كل يوم باستمرار ستحقق كبرى المهام في نهاية الأمر، وعندما تحسن من الظروف المحيطة شيئاً يسيراً كل يوم ستحقق تحسن ضخم في نهاية الأمر.
المكسب العظيم لن يأتي غدا ولا بعد غد ـ لكنه سيأتي في نهاية الأمر لا تنشد تحسيناً هائلاً وسريعاً بل أسع لتحسين ضئيل واحد لكل يوم وهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق التحسين وعندما يتحقق فإنه يدوم ويبقى
نعم إنها الخطوات الصغيرة التي تساعدنا على التغلب على خوفنا من التغيير الذي دائماً ما يدفعنا إلى التراجع بدلاً من أن نتحرك للأمام كل خطوة صغيرة هي حافز لخطوة أوسع تليها دون أن نتحمل مشقة وعناء الهلع الذي يسببه التغيير المفاجئ في نمط حياتنا والذي غالباً ما يقود إلى التراجع والفشل.
ما نحتاجه هو زرع مفاهيم مثل مفهوم الكايزن في عقولنا وعقول أبناءنا وتحويلها من أفعال
ازرع فكرة تحصد فعلاً ← ازرع فعلا تحصد عادة ← ازرع عادة تحصد شخصية ← ازرع شخصية تحصد مصيراً
البداية:
← التطبيق الفوري: إبدا الآن
← استمرار التعلم: اقرأ كتاباً عن استراتيجية الكايزن
← تعليم الآخرين: أخبر من حولك عن استراتيجية الكايزن
أعتقد أنني قد بدأت لتوي بمرحلة زراعة الفكرة بهذا المقال لتكون انطلاقه نحو الفعل ومع تكرار الفعل سيتحول الأمر إلى عادة وشخصية بإذن الله، دعونا نصنع مصائرنا، لنجعل حياتنا كلها كايزن! .
مطابقات بين منهج السماء ووحي التجربة
“لا تحقرن من المعروف شيئاً”
“اتقوا النار ولو بشق تمرة”
“أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل”
“إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”
” وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “
شاهد حلقة من برنامَج أحمد الشقيري – خواطر عن استراتيجية وفلسفة الكايزن اليابانية
إلي اللقاء مع ملخص لكتاب عن طريقة الكايزن وتقنياتها
11 تعليق
موضوع ممتاز
أكثر من رائعة
جمال استراتيجية الكايزن في تدرجها و سهولة تطبيقها فقط تحتاج للمثابرة
جمييييييل يعطيك العافيه
جميل ان نطبق استراتيجية الكايزن فى حياتنا العملية
جميل بل رائع بدات القراءة فعلا في كتاب صغير ودخلت للنت وكان موضوعك احد المراجع الاساسية عن شرح الكايزن وقد استفدت من هذا المقال الجميل
سلمت يداك وا شاء الله سنتبع خطاك في النشر عن الكايزن
فعلاً .. موضوع فعال التغيير المستمر للأحسن حتى لو ببطء ولكن لابد أن يكون التغيير للأفضل حلم الجميع
شكراً لمجهودكم
رائع
معلومات جميلة بأسلوب جميل مشوق
شكرا لكل من يساهم في ايصال معلومات تفيد لانفسنا ومجتمعاتنا ونتمني من الله العلي القدير ان يهب عقولنا نورا يهدي به انفسنا وكل المجتمعات العربيه الي الافضل دائما ابدا
ابو عهود
أن الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه
قليل دائم خير من كثير من منقطع