بقلم: انريكي دانس
ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو
يثير نشر ويكيليكس لملف السرداب 7 – الذي يضم أكثر من 8000 وثيقة توضح بعض التقانات التي تستخدمها السي أي أي (وكالة الاستخبارات المركزية) للوصول إلى المعلومات على أجهزة أي او اس والاندرويد وحواسيبنا واستخدام اجهزة التلفاز الذكية للتنصت على المحادثات إضافة إلى ممارسات صارخة أخرى – القلق ويجدد التوتر بين شركات التقانة ووكالات التجسس الحكومية ورغم ذلك يجب ان لا يفاجئ أحد…
فهذا الأمر ليس سوى دليلاً إضافياً على تأقلم وكالات التجسس مع النظام البيئي المحيط بها والذي يتكون اليوم من أجهزة متصلة على الدوام بشبكات الانترنت.
لم تعد عدة التجسس تتكون من عدسة تكبير ومصباح يدوي ومسدس ولحية مزيفة بل حاسوب واتصال بالانترنت.
اما مهمة وكالة التجسس الحكومية سواء كان التجسس لضمان أمن دولة ما أو الحفاظ على نظام استبدادي معين فتعتمد على مفهوم السياسة والحريات واخلاقيات حكومة كل بلد …
فمن السذاجة وربما الحمق ان يشعر انسان ما بالذعر بسبب وجود الجواسيس وقيامهم بعملهم كما ان التساؤل عن أقلمة هؤلاء الجواسيس لأدواتهم بما يواكب العصر يعتبر أمراً سخيفاً: إذا افترضنا ابتداءً ان الحكومات – رغم عدم استئذانهم لنا _- يجب ان تمتلك جواسيس نمولهم بأموال ضرائبنا..
فهل سنفضل جواسيس يستخدمون ادوات واساليب عفا عليها الزمن؟
وهل نرغب بمحاربة جواسيس مسلحين بأدوات متطورة تستخدم الانترنت من بلد أجنبي بعملاء مجهزين بعدسات تكبير ولحى مزيفة؟
من الواضح ان الاجابة على ذلك السؤال هو ” القضية تعتمد على ….”
ففي المقام الاول سنفضل ظاهرياً عالماً خالياً من الجواسيس ولكن نظراً لاستحالة ذلك سنأخذ بعين الاعتبار السيناريوهات المختلفة.
فعندما تكون في بلد تكون من مهمات الجواسيس فيها إلقاء القبض على الإرهابين وتجار المخدرات والمجرمين والخطرين فمن الافضل ان يتمتع الجواسيس بأفضل الادوات الممكنة والمعرفة اللازمة لاختراع كل ما يحتاجونه.
ولكن على النقيض من ذلك إذا كنا نظن ان الجواسيس سيستخدمون للتحكم بنا وكشف أي احتجاج او عصيان او لاضطهاد من يفكر بطريقة مختلفة عنا ولتجاهل حقوقنا البشرية الاساسية فعندها سنشعر بالقلق إذا فكروا باستخدام أحدث الوسائل.
فالأمر يختلف بين من يعيش في كنف ديموقراطية ويتوقع من الجواسيس كشف خلية إرهابية تحضر لهجوم في مركز المدينة او من يعيش في بلد اسلامي ويعاني من الشذوذ او من يكون مناهضاَ للإجهاض في بلد دكتاتوري او ملحداً في دولة دينية.
الشيء الوحيد الذي تظهره تسريبات ويكيليكس الأخيرة هو ان العالم لايزال معقداً كما كان قبل عشرين عاماً وربما أكثر تعقيداً.
فقبل عشرين عاماً كانت الوكالات الحكومية تتنصت على هواتفنا ومحادثاتنا بميكروفونات وعن طريق قراءة الشفاه ورسائلنا وتتبع رحلاتنا
اما اليوم فهي تخرم اجهزتنا الالكترونية المتصلة بالانترنت والتي ستصبح عما قريب كلها اجهزة.
وبقدر اهتمامنا او غضبنا فان هذه هي حقيقة العالم اليوم.
لقد تطورت الامور منذ نهاية الحرب الباردة ومثلما تسعى شركات التقانة لاستخدام تقانات متطورة أكثر فأكثر لحماية مستخدميها يكتشف الجواسيس بدورهم تقنيات أكثر وأفضل لمتابعة التجسس عليهم
وسواءً احببنا ذلك ام لا الجواسيس سيتجسسون ……….
هل هذه التسريبات جيدة ام شريرة؟
من ناحية تسير بنا إلى مجتمع أكثر شفافية وإلى فهم أفضل لما يحدث لخصوصياتنا وبياناتنا وتضغط على الجواسيس وشركات التقانة (وبالتالي تؤدي إلى ابتكارات أكثر) وتساعد على كشف افعال خاطئة (مثل التجسس على مواطنين أبرياء دون تفويض قضائي) ولكنها من الناحية الاخرى تساهم في خلق دولة جماعية مهووسة قد تصطدم بحريتنا في اداء اموراً اعتيادية وقد تصبح مثالاً او حتى دليلاً للجواسيس في الدول الأقل تطوراً مع كافة التبعات على المواطنين في تلك الدول بسبب هذه المقدرة.
فالتسريبات ليست جيدة أو شريرة: انها تحدث فقط.
وانا أفضل العيش في بلد حيث توجد الويكيليكس وتلعب دوراً هاماً في ضبط سلوكيات معينة.
علاوة على ذلك يجب ان نثمن جهود شركات التقانة لمعالجة الثغرات الأمنية التي مكنت الجواسيس ابتداءً من التجسس. ويجب ان نكون واقعيين ونرى الاشياء بمنظورها. فمعظمنا جو او جين عادي يعيش في ديموقراطيات وعلى الاغلب لا أحد يتجسس علينا.
وبالرغم مما قيل او أشيع يوم أمس لم تتمكن السي أي أي من كسر تشفير برامج سيجنال او واتس اب أو تيليجرام وغيرها من التطبيقات. وبدلاً من ذلك وجدت طرقاً للوصول إلى الاجهزة التي تستقبل أو ترسل رسائل مما يسمح لها بقراءة تلك الرسائل في نقطة المنبع أو في نقطة الوصول.
لذا لسنا مضطرين لإزالة تطبيقات كنا نظنها امنة اضافة إلى ان معظمنا يستخدمها في أشياء لا تهم الجواسيس على الإطلاق.
ولكنك يجب تقلق عندما يتم التجسس عليك دون ان تفعل امراً خاطئاً.
وهذا القلق يجب ان يوجه نحو الحكومة وليس الجواسيس.
وكالعادة لا تكمن المشكلة بالتقانة ولكن بالأشخاص الذين يستخدمونها والهدف الكامن وراء ذلك